وقال الحسن البصري : حادثوا هذه القلوب بذكر الله، فإنها سريعة الدثور، وهو بالفارسية :(زنك أفكندن كارد وشمشير والمحادثة بزدودن).
وهذا بالنسبة إلى القلب القابل للمحادثة إذ رب قلب لا يقبل ذلك :
آهنى راكه موريانه بخورد
نتوان برد ازو بصبقل زنك
باسيه دل جه سود كفتن وعظ
نرود ميخ آهنين درسنك
وفي الحديث :"إني ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة".
وقد تكلموا في تأويله عن الجنيد البغدادي قدس سره أن العبد، قد ينتقل من حال إلى أرفع منها.
وقد يبقى من الأولى بقية يشرف عليها من الثانية، فيصححها.
ويقال : بين العبد والحق ألف مقام أو مائة من نور وظلمة، فعلى هذا كان عليه السلام، كلما جاز عن مقام استغفر، فهو يقطع جميع الحجب كل يوم، وذلك يدل على نهاية بلوغه إلى حد الكمال وجلالة قدره عند الملك المتعال.
يقول الفقير : لعل الغين إشارة إلى لباس البشرية والماهية الإمكانية الساتر للقلب عن شهود حضرة الأحدية، ولما كان عليه السلام بحيث يحصل له الانكشاف العظيم كل يوم من مائة مرتبة.
وهي مراتب الأسماء الحسنى بأحديتها لم يكن على قلبه اللطيف غين أصلاً.
وأشار بالاستغفار إلى مرتبة التبديل ؛ أي : تبديل الغين بالمعجمة عيناً بالمهملة والعلم شهوداً، فصار المقام بحيث كان له غين فأزاله بالاستغفار إرشاداً للأمة، وإلا فلا غين في هذا المقام.
والاستغفار : وإن وهمه العامي قليل الاستبصار.
وفي الآية ذم للمتكبر والجبار.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وقال عليه السلام :"يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صورة الذر يطأهم الناس لهوانهم على الله، وذلك لأن الصورة المناسبة لحال المتكبر الجبار صورة الذر، كما لا يخفى على أهل القلب".
١٨٢
﴿الَّذِينَ يُجَـادِلُونَ فِى ءَايَـاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـانٍ أَتَـاـاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَالِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ يا هَـامَـانُ ابْنِ لِى صَرْحًا لَّعَلِّى أَبْلُغُ الاسْبَـابَ * أَسْبَـابَ السَّمَـاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَـاهِ مُوسَى وَإِنِّى لاظُنُّه كَـاذِبًا وَكَذَالِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُواءُ عَمَلِه وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِا وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِى تَبَابٍ﴾.
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ﴾ لوزيره قصداً إلى صعود السماوات لغاية تكبره وتجبره.
قال الكاشفي :(بس در اثناى مواعظ خربيل فرعون انديشه كردكه ناكاه سخن در مستمعان اثر نكند وزير خود را طلبيد وخودرا ومردم يجيز ديكر مشغول كردانيد).
يا هَـامَـانُ} : قال في "كشف الأسرار" : كان هامان وزير فرعون، ولم يكن من القبط، ولا من بني إسرائيل.
يقال : إنه لم يغرق مع فرعون وعاش بعده زماناً شقياً محزوناً يتكفف الناس.
﴿ابْنِ﴾ أمر من بنى يبني، يعني : بنا كن ﴿لِى﴾ :(براى من).
﴿صَرْحًا﴾ ؛ أي : بناء مكشوفاً ظاهراً على الناظر عالياً مشيداً بالآجر، كما قال في القصص :﴿فَأَوْقِدْ لِى يا هَـامَـانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّى صَرْحًا﴾ (القصص : ٣٨)، ولهذا كره الآجر في القبور كما في "عين المعاني" ؛ أي لأن فرعون أول من اتخذه وهو من صرح الشيء بالتشديد إذا ظهر، فإنه يكون لازماً أيضاً.
﴿لَّعَلِّى﴾ :(شايدكه).
من ﴿أَبْلُغُ﴾ :(برسم وصعود مينكم).
﴿الاسْبَـابَ﴾ ؛ أي : الطرق.
﴿أَسْبَـابَ السَّمَـاوَاتِ﴾ بيان لها، يعني :(راهها از آسمانى بآسمانى).
وفي إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها.
﴿فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَـاهِ مُوسَى﴾ بقطع الهمزة ونصب العين على جواب الترجي ؛ أي : أنظر إليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال في "تاج المصادر" : الاطلاع ديده ورشدن.
وفي "عين المعاني" : الاستعلاء على شيء لرؤيته.
﴿وَإِنِّى لاظُنُّهُ﴾ ؛ أي : موسى.
﴿كَـاذِبًا﴾ فيما يدعيه من الرسالة.
يقول الفقير : لم يقل كذاباً كما قال عند إرساله إليه ؛ لأن القائل هنا هو فرعون وحده، وحيث قال : كذاب.
رجع المبالغة إلى فرعون وهارون وقارون، فافهم.