يا قَوْمِ إِنَّمَا هَـاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا مَتَـاعٌ وَإِنَّ الاخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَـالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَـاقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَواةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى النَّارِ}.
﴿مِنْ﴾ :(هر كه).
﴿عَمِلَ﴾ في الدنيا ﴿سَيِّئَةً﴾ :(كردارى بد).
﴿فَلا يُجْزَى﴾ في الآخرة ﴿إِلا مِثْلَهَا﴾ عدلاً من الله سبحانه، فخلود الكافر في النار مثل لكفره، ولو ساعة لأبدية اعتقاده.
وأما المؤمن الفاسق، فعقابه منقطع إذ ليس على عزم أن يبقى مصراً على المعصية.
وفي الآية دليل على أن الجنايات سواء كانت في النفوس أو الأعضاء أو الأموال تغرم بأمثالها، والزائد على الأمثال غير مشروع.
﴿وَمَنْ عَمِلَ صَـالِحًا﴾، وهو ما طلب به رضا الله تعالى ؛ أي عمل كان من الأعمال المشروعة.
﴿مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾ ذكرهما ترغيباً لهما في الصالحات.
﴿وَهُوَ﴾ ؛ أي : والحال أنه ﴿مُؤْمِنٌ﴾ بالله واليوم الآخر جعل العمل عمدة، والإيمان حالاً للإيذان ؛ بأنه لا عبرة بالعمل بدون الإيمان إذ الأحوال مشروطة على ما تقرر في علم الأصول.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
فأولئك الذين عملوا ذلك ﴿يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا﴾ :(روزى داده شو نداز فواكه با كيزه ومطاعم لذيذه).
﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ؛ أي : بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافاً مضاعفة فضلاً من الله ورحمة.
وفي "التأويلات النجمية" : بغير حساب ؛ أي : مما لم يكن في حساب العبد أن يرزق مثله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : أخبرني رسول الله عليه السلام : أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم ؛ أي : بأعمالهم الفاضلة، ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيبرزون ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم، وما هو دني على كثبان المسك والكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً.
قال أبو هريرة رضي الله عنه، قلت : يا رسول الله، وهل يرى ربنا؟ قال :"نعم، هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر"، قلت : لا، قال : كذلك لا تتمارون في رؤية ربكم تبارك وتعالى، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول للرجل منهم : يا فلان بن فلان : أتذكر يوم قلت كذا وكذا، فيذكره بعض عثراته في الدنيا، فيقول : أو لم تغفر لي، فيقول : بلى.
فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه، فبينما هم على ذلك إذ غشيهم سحابة، فأمطرت عليهم طيباً، لم يجدوا مثل ريحه قط.
ويقول : ربنا قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم فنأتي سوقاً قد حفت بالملائكة، لم تنظر العيون إلى مثلها، ولم تسمع الأذان، ولم يخطر على القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيها ولايشترى.
وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً.
قال : فيقبل الرجل ذو المنة المرتفعة، فيلقى من هو دونه، وما فيهم دني فيروعه ما عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل عليه ما هو أحسن منه.
وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، ثم ينصرف إلى منازلنا، فيتلقانا أزواجنا، فيقلن مرحباً وأهلاً، لقد جئت وإن ربك من الجمال ما هو أفضل مما فارقتنا عليه، فيقول : إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحق لنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا".
﴿وَيَـاقَوْمِ﴾ : قال الكاشفي :(آل فرعون از سختان خربيل فهم كردند كه ايما آورده است زبان ملامت بكشادندكه شرم ندارى كه از برستش فرعون روى بعبادت ديكرى مى آرى خربيل تكرار ندا كرداز روى تنبيه تا شايد از خواب غفلت بيدار شوند بس
١٨٦
كفت اى كروه من).
﴿مَا لِى﴾ : الاستفهام للتوبيخ.
﴿وَيَـاقَوْمِ مَا لِى﴾ من النار بالتوحيد.
﴿وَتَدْعُونَنِى إِلَى النَّارِ﴾ بالإشراك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قوله : أدعوكم في موضع الحال من المنوي في الخبر وتدعونني عطف عليه ومدار التعجب دعوتهم إياه إلى النار لا دعوته إياهم إلى النجاة ؛ كأنه قيل : أخبروني كيف هذا الحال أدعوكم إلى الخير، وتدعونني إلى الشر، وقد جعله بعضهم من قبيل ما لي أراك حزيناً ؛ أي : ما لك تكون حزيناً، فيكون المعنى : ما لكم أدعوكم.
إلخ.
﴿وَيَـاقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَواةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِى لاكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِه مَا لَيْسَ لِى بِه عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّـارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَه دَعْوَةٌ فِى﴾.