جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال الفقيه أبو الليث : الصحيح، عندي أن يقر الإنسان بعذاب القبر، ولا يشتغل بكيفيته.
وفي "الأخبار الصحاح" : أن بعض الموتى لا ينالهم فتنة القبر كالأنبياء والأولياء والشهداء.
قال الحكيم الترمذي : إذا كان الشهيد لا يسأل، فالصديق أولى بأن لا يفتن هو المنخلع عن صفات النفس، والشهيد هوأهل الحضور.
والصحيح : هو أهل الاستقامة في الدين، ورؤي بعضهم بعد موته على حال حسنة فسئل عن سببها، فقال : كنت أكثر قول : لا إله إلا الله، فأكثر منها ؛ أي : من هذه المقالة الحسنة، والكلمة الطيبة اللهم اختم لنا بالخير والحسنى.
﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَـاؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِى النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَـاتِا قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَـاؤُا الْكَـافِرِينَ﴾.
﴿وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى النَّارِ﴾ : التحاج بالتشديد التخاصم، كالمحاجة ؛ أي : واذكر يا محمد لقومك وقت تخاصم أهل النار في النار سواء كانوا آل فرعون، أو غيرهم، ثم شرح خصومتهم بقوله :﴿فَيَقُولُ الضُّعَفَـاؤُا﴾ : منهم في القدر والمنزلة والحال في الدنيا، يعني :(بيجاركان وزبونان قوم).
﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ ؛ أي : أظهروا الكبر باطلاً وهم رؤساؤهم ولذا لم يقل للكبراء ؛ لأنه ليس الكبرياء صفتهم في نفس الأمر.
﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَبَعًا﴾ : جمع تابع كخدم في جمع خادم.
قال في "القاموس" : التبع محركة التابع يكون واحد، أو جمعاً ؛ أي : إتباعاً في كل حال خصوصاً فيما دعوتمونا إليه من الشرك والتكذيب، يعني :(سبب دخول مادر دوزخ بيدى شما).
﴿فَهَلْ أَنتُم﴾ :(بس آياهستيد شما).
﴿مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ﴾، بالدفع أو بالحمل، يقال : ما يغني عنك هذا ؛ أي : ما يجزيك وما ينفعك ونصيباً، وهو الحظ المنصوب ؛ أي : المعين كما في "المفردات" : منصوب بمضمر يدل عليه مغنون، فإن أغنى إذا عدي بكلمة عن لا يتعدى إلى مفعول آخر بنفسه ؛ أي : رافعون عنا نصيباً ؛ أي : بعضاً وجزءاً من النار باتباعنا إياكم، فقد كنا ندفع المؤونة عنكم في الدنيا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ :(جه جاى اين سخن است).
﴿إِنَّا كُلٌّ﴾ ؛ أي : كلنا نحن وأنتم.
وبهذا صحّ وقوعه مبتدأ.
﴿فِيهَآ﴾ : خبر ؛ أي : في النار، فكيف نغني عنكم، ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا.
﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾، بماهية كل أحد فأدخل المؤمنين الجنة على تفاوتهم في الدرجات، والكافرين النار على طبقاتهم في الدركات، ولا معقب لحكمه.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِى النَّارِ﴾ من الضعفاء والمستكبرين جميعاً، لما ذاقوا شدة العذاب وضاقت حيلهم.
﴿لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ﴾ ؛ أي : القوام بتعذيب أهل النار.
جمع خازن.
والخزن : حفظ الشيء في الخزانة، ثم يعبر به عن كل حفظ كحفظ السر ونحوه.
قاله الراغب : ووضع جهنم موضع الضمير للتهويل والتفظيع.
وهم اسم لنار الله الموقدة.
﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾ شافعين لنا.
﴿يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا﴾ ؛ أي : في مقدار يوم واحد من أيام الدنيا.
﴿مِّنَ الْعَذَابِ﴾ ؛ أي : شيئاً منه، فقوله : يوماً، ظرف ليخفف، ومفعوله محذوف.
ومن العذاب بيان لذلك المحذوف،
١٩١
واقتصارهم في الاستدعاء على تخفيف قدر يسير من العذاب في مقدار قصير من الزمان دون رفعه رأساً، أو تخفيف قدر كثير منه في زمان مديد لعلمهم بعدم كونه في حيز الإمكان.
﴿قَالُوا﴾ : أي الخزنة بعد مدة.
﴿أَوَلَمْ تَكُ﴾ : الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقداري ألم تنبهوا على هذا ولم تك ﴿تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم﴾ في الدنيا على الاستمرار.
﴿بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ بالحجج الواضحة الدالة على سوء عاقبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصي، أرادوا بذلك إلزامهم وتوبيخهم على إضاعة أوقات الدعاء، وتعطيل أسباب الإجابة.
﴿قَالُوا بَلَى﴾ ؛ أي : أتونا بها، فكذبناهم كما في سورة الملك.
﴿قَالُوا﴾ : إذا كان الأمر كذلك، يعني :(جون كاربرين منوالست).
﴿فَادْعُوا﴾ : أنتم، فإن الدعاء لمن يفعل ذلك مما يستخيل صدوره عنا، ولم يريدوا بأمرهم بالدعاء أطماعهم في الإجابة، بل إقناطهم منها، وإظهار حقيقتهم حسبما صرحوا به في قولهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨