﴿وَمَا دُعَـاؤُا الْكَـافِرِينَ﴾ لأنفسهم، فالمصدر مضاف إلى فاعله، أو وما دعاء غيرهم لهم بتخفيف العذاب عنهم، فالمصدر مضاف إلى مفعوله.
﴿إِلا فِى ضَلَـالٍ﴾ ؛ أي : في ضياع وبطلان الإيجاب ؛ لأنهم دعوا في غير وقته.
اختلف العلماء في أنه هل يجوز أن يقال : يستجاب دعاء الكافرين، فمنعه الجمهور لقوله تعالى :﴿وَمَا دُعَـاؤُا الْكَـافِرِينَ إِلا فِى ضَلَـالٍ﴾ ؛ ولأن الكافر لا يدعو الله ؛ لأنه لا يعرفه ؛ لأنه وإن أقر به لما وصفه بما لا يليق به نقض إقراره.
وما روي في الحديث "أن دعوة المظلوم وإن كان كافراً تستجاب"، فمحمول على كفران النعمة وجوزه بعضهم لقوله تعالى حكاية عن إبليس : رب أنظرني ؛ أي : أمهلني ولا تمتني سريعاً، فقال الله تعالى : إنك من المنظرين، فهذه إجابة وبالجواز يفتى.
قال الشيخ سعدي :
مغى در بروى از جهان بسته بود
بتى را بخدمت ميان بسه بود
بس از جند سال آن نكوهيده كيش
قضا حالتى صعبش آورد بيش
بباى بت آمد باميد خبر
بغلطيد بيجاره برخاك دير
كه درما نده ام دست كيراى صنم
بجان آمدم رحم كن برتنم
بزاريد در خدمتش بارها
كه هيجش بسامان نشد كارها
بتى جون برارد مهمات كس
كه نتواند از خود براند مكس
برآشفت كاى باى بند ضلال
بباطل برستيدمت جند سال
مهمى كه دربيش دارم برآر
وكرنه نخواهم زبرور دكار
هنوز ازبت آلوده رويش بخاك
كه كامش برآورد يزدان باك
حقائق شناسى درين خيره شد
سرو قت صافى بروتيره شد
كه سر كشته دون باطل برست
هنوزش سراز خمر تبخانه مست
دل از كفر ودست از خيانت نشست
خدايش برآورد كامى كه جشد
فرورفت خاطر درين مشكلش
كه بيغامى آمد درون دلش
كه بيش صنم بير ناقص عقول
بسى كفت وقولش نيامد قبول
كرازدركه ما شود نيرزد
بس آنكه جه فرن از صنم تا صمد
دل اندر صمد بايداى دوست بست
كه عاجز ترنداز صنم هر كه هست
١٩٢
محالست اكر سر برين درنهى
كه باز آيدت دست حاجت تهى
فإذا ثبت أن الله تعالى يجيب الدعوات لا ما سواه من الأصنام ونحوها، فلا بد من توحيده، وإخلاص الطاعة والعبادة له، وعرض الافتقار إليه إذ لا ينفع الغير لا في الدنيا، ولا في الآخرة جعلنا الله، وإياكم من التابعين للهدى والمحفوظين من الهوى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَـاتِا قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَـاؤُا الْكَـافِرِينَ إِلا فِى ضَلَـالٍ * إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاشْهَـادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّـالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُواءُ الدَّارِ﴾.
﴿إِنَّا﴾ : نون العظمة، أو باعتبار الصفات، أو المظاهر.
﴿لَنَنصُرُ رُسُلَنَا﴾ النصر : العون.
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ ؛ أي : أتباعهم.
﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا﴾ بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبي.
وغير ذلك من العقوبات، ولا يقدح في ذلك ما قد يتفق لهم من صورة المغلوبية امتحاناً إذ العبرة إنما هي بالعواقب، وغالب الأمر.
وأيضاً : ما يقع في بعض الأحيان من الانهزام، إنما كان بعارض كمخالفة أمر الحاكم، كما في غزوة أحد، وكمطلب الدنيا والعجب والغرور، كما في بعض وقائع المؤمنين.
وأيضاً : إن الله تعالى ينتقم من الأعداء، ولو بعد حين كما بعد الموت، ألا ترى أن الله تعالى انتقم ليحيى عليه السلام بعد استشهاده من بنى إسرائيل بتسليط بخت نصر حتى قتل به سبعون ألفاً.
قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه : ما قتلت أمة نبياً إلا قتل به منهم سبعون ألفاً، ولا قتلوا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفاً.
وأما قصة الحسنين رضي الله عنهما، فكثرة القتلى لهما باعتبار جدهما عليه السلام.
وحاصله : أن علماء هذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل، فإذا انضم إلى شرفهم شرف الانتساب إلى النبي عليه السلام بالسيادة الصورية قرباً، أو بعداً تضاعف قدرهم، فكان الإكرام إليهم بمنزلة الإكرام إلى النبي عليه السلام.
وكذا الإهانة.
والظاهر : في دفع التعارض بين قوله تعالى : إنا لننصر رسلنا وبين قوله : ويقتلون النبيين بغير الحق ما قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن رضي الله عنه : من أنه لم يقتل من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكل من أمر بقتال نصر، كما في "تفسير القرطبي" في البقرة.
وكان زكريا ويحيى وشعيب ونحوهم عليهم السلام ممن لم يؤمر بالقتال.
يقول الفقير : حقيقة النصرة للخواص إنما هي بالإمداد الملكوتي.
وقد يجيء الإمداد من جهة البلاء الصوري، فالقتل ونحوه كله من قبيل الإمداد بالترقي.
والحمدالذي بيده الخير.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال شيخ الشهير بافتاده أفندي قدس سره : كان النبي عليه السلام قادراً على تخليص الحسنين رضي الله عنهما بالشفاعة من الله تعالى، لكنه رأى كمالهما بالشهادة راجحاً على الخلاص.