﴿مُوسَى﴾ ابن عمران ﴿الْهُدَى﴾ ما يهتدي به من المعجزات والصحف والشرائع.
﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِى إسرائيل الْكِتَـابَ﴾ :(الا يراث ميراث دادن).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
والمراد بالكتاب : التوراة، ولما كان الإيراث الحقيقي إنما يتعلق بالمال تعذر حمله على معناه هنا، فأريد التبرك مجازاً إشعاراً بأن ميراث الأنبياء ليس إلا العلم والكتاب الهادي في باب الدين.
والمعنى : وتركنا عليهم من بعد موسى التوراة إذ سائر ما اهتدي به في أمر الدين قد ارتفع بموت موسى عليه السلام.
وبالفارسية :(ميراث داديم بني إسرائيل را يغني فرزندان يعقوب راتورات يعنى باقى كذاشتيم درميان ايشان تورات را).
فهم ورثوا التوراة بعضهم من بعض قرناً بعد قرن.
﴿هُدًى﴾ : مفعوله ؛ أي : هداية وبياناً من الضلالة، أو مصدر بمعنى اسم الفاعل على أنه حال ؛ أي : هادياً.
يعني :(راه نما ينده).
﴿وَذِكْرَى﴾ تذكرة وعظة أو حال كونه مذكراً.
يعني :(بند دهنده).
﴿لاوْلِى الالْبَـابِ﴾ لذوي العقول السليمة العاملين بما في تضاعيفه دون الذين لا يعقلون.
والفرق بين الهدى والذكرى : أن الهدى ما يكون دليلاً على شيء آخر، وليس من شرطه أن يذكر شيئاً آخر كان معلوماً، ثم صار منسياً، وأما الذكرى، فليس من ذلك.
وكتب الأنبياء مشتملة على هذين القسمين، فإن بعضها دلائل في أنفسها، وبعضها مذكرات لما ورد في الكتب الإلهية المتقدمة.
﴿فَاصْبِرْ﴾ مترتب على قوله : إنا لننصر رسلنا، وقوله : ولقد آتينا.
إلخ.
فالجملة المعترضة للبيان والتأكيد لنصرة الرسل ؛ كأنه قيل : إذا سمعت ما وعدت به من نصرة الرسل، وما فعلناه بموسى، فاصبر على ما أصابك من أذية المشركين، فهو غير منسوخ بآية السيف إذ الصبر محمود في كل المواطن.
﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ بالنصرة وظهور الإسلام على الأديان كلها، وفتح مكة ونحوها.
﴿حَقٌّ﴾ لا يحتمل الإخلاف أصلاً واستشهد بحال موسى وفرعون.
﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ﴾ تداركاً لما فرط منك من ترك الأولى في بعض الأحيان ؛ فإنه تعالى كافيك في نصرة دينك وإظهاره على الدين كله.
وفي "عين المعاني" : واستغفر من ذنب إن كان منك.
وقيل : هذا تعبد من الله لرسوله ليزيد به درجة وليصير ذلك سنة، لمن بعده.
وفي "عرائس البقلي" : فإن كون الحادث في كون القديم ذنب.
وقيل : واستغفر لذنب أمتك.
وفيه أن هذا لا يجري في قوله تعالى : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات، كما سيأتي في سورة محمد.
وقال ابن الشيخ في "حواشيه".
والظاهر أنه تعالى يقول : ما أراد أن يقوله، وإن لم يجر لنا أن نضيف إليه عليه السلام ذنباً، انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
يقول الفقير : كلام ابن الشيخ شيخ الكلمات، وذلك لأن مرتبة النبوة أرفع من مرتبة الولاية، فإن أحداً من الأمة، وإن كان أصلاً إلى أقصى الغايات بحسب مرتبته، فهو لا يدري حال النبي فوقه إذ لا ذوق له من مرتبته، فكيف يضيف إليه ذنباً لا يعرفه، فلا يطيع على حقيقة الذنب المضاف إليه عليه السلام إلا الله كالتصلية في قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ﴾ (الأحزاب : ٥٦) ؛ فإنها سر غامض بينه تعالى وبين رسوله، فليس لأحد سبيل إلى معرفته.
ومن هذا القبيل سهوه عليه السلام في بعض المواضع، فإنه ليس من قبيل السهو الذي تعرفه الأمة :
تدانم كدامين سخن كويمت
كه وألا ترى زانجه من كويمت
١٩٥
﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِىِّ وَالابْكَـارِ﴾ ؛ أي : ودم على التسبيح ملتبساً مقروناً وبحمده تعالى، أو على قوله : سبحان الله وبحمده.
فالمقصود من ذكر العشي والإبكار الدلالة على المداومة عليهما في جميع الأوقات بناء على أن الإبكار عبارة عن أول النهار إلى نصفه، والعشي عبارة عن نصف النهار إلى أول النهار من اليوم الثاني.
فيدخل فيهما كل الأوقات.