وفي الآية إشارة إلى قلب الطالب الصادق بالتصبر على أذى النفس والهوى والشيطان، إن وعد الله حق في نصرة القلب المجاهد مع كافر النفس وظفره عليها، واستغفر لذنبك أيها القلب ؛ أي : مما سرى إليك من صفات النفس وتخلقت بأخلاقها، فاستغفر لهذا الذنب، فإنه صد أمرآة القلب ودم على الطاعات، وملازمة الأذكار ؛ فإنه تصفو مرآة القلب عن صدأ الأخلاق الذميمة.
قالوا : ظاهر البدن من عالم الشهادة والقلب من عالم الملكوت وكما ينحدر من معارف القلب آثار الجوارح كذلك، قد يرتفع من أحوال الجوارح التي هي من عالم الشهادة آثار إلى القلب، فإذاً لا بد من الاشتغال بظواهر الأعمال إصلاحاً للحال، وتنويراً وتصفية للبال، فمن ليس له في الدنيا شغل، وقد ترك الدنيا على أهلها، فما له لا يتنعم بخدمة الله تعالى فيلزم أن يديم العملمن غير فتور إما ظاهراً أو باطناً قلباً وقالباً وإلا فباطناً، وترتيب ذلك أنه يصلي ما دام منشرحاً، والنفس مجيبة ؛ فإن سئم تنزل من الصلاة إلى التلاوة، فإن مجرد التلاوة أخف على النفس من الصلاة، فإن سئم التلاوة أيضاً، يذكر الله بالقلب واللسان، فهو أخف من القراءة، فإن سئم الذكر أيضاً.
يدع ذكر اللسان، ويلازم المراقبة، والمراقبة علم القلب بنظر الله تعالى إليه، فما دام هذا العلم ملازماً للقلب، فهو مراقب والمراقبة عين الذكر، وأفضله وإن عجز عن ذلك أيضاً، وتملكته الوساوس وتزاحم في باطنه حديث النفس، فلينم.
وفي النون السلام، وإلا فكثرة حديث النفس تقسي القلب ككثرة الكلام ؛ لأنه كلام من غير لسان، فيحترز من ذلك فيقيد الباطن بالمراقبة والرعاية، كما يقيد الظاهر بالعمل، وأنواع الذكر والتسبيح، وبدوام الإقبال على الله ودوام الذكر بالقلب واللسان يرتقي القلب إلى ذكر الذات، ويصير حينئذٍ بمثابة العرش، فالعرش قلب الكائنات في عالم الخلق والحكمة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
والقلب : عرش في عالم الأمر والقدرة، فإذا اكتحل القلب بنور ذكر الذات وصار بحراً مواجاً من نسيمات القرب جرى في جداول أخلاق النفس صفاء النعوت والصفات.
وتحقق التخلق بأخلاق الله تعالى :
غير ذكر خداجه سرجه جهر
نيست دلرا نصيب وجانرا نهر
نور حق جون زدل ظهور كند
ظلمت تن جه شر وشور كند
وفي الحديث :"رأيت رجلاً من أمتي يتقي وهج النار وشررها عن وجهه بيده، فجاءته صدقته، فصارت ستراً على وجه.
ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه بينه وبين الله حجاب، فجاء حسن خلقه وأخذ بيده وأدخله على الله.
ورأيت رجلاً من أمتي غلقت أبواب الجنة له، فجاءت شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة".
جعلنا الله وإياكم من أهل الأخلاق والأحوال وصالحات الأعمال.
﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِىِّ وَالابْكَـارِ * إِنَّ الَّذِينَ يُجَـادِلُونَ فِى ءَايَـاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـانٍ أَتَـاـاهُمْ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَـالِغِيه فَاسْتَعِذْ بِاللَّه إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَخَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ :(أورده اندكه كفار مكه درباب قرآن وبعث مجادله مبكر دندكه قرآن سخن خدانيست نعوذ بالله وبعث محالست حق
١٩٦
سبحانه وتعالى آيت فرستادكه).
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَـادِلُونَ فِى ءَايَـاتِ اللَّهِ﴾ ويجحدون بها.
﴿بِغَيْرِ سُلْطَـانٍ﴾ حجة قاهرة.
﴿أَتَـاـاهُمْ﴾ في ذلك من جهته تعالى وتقييد المجادلة بذلك مع استحالة إتيانه للإيذان بأن التكلم في أمر الدين لا بدّ من استناده إلى سلطان مبين البتة.
﴿أَنْ﴾ نافية.
﴿فِى صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ﴾ خبر لأن عبر بالصدر عن القلب لكونه موضع القلب.
وفي الحصر إشعار بأن قلوبهم قد خلت عن كل شيء سوى الكبر ؛ أي : ما في قلوبهم إلا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر والتعلم أو إلا إرادة الرياسة والتقدم على النبي والمؤمنين، أو إلا إرادة أن تكون النبوة لهم دونك يا محمد حسداً وبغياً.
ولذلك يجادلون فيها ؛ لأن فيها موقع جدال ما أو أن لهم شيئاً يتوهم أن يصلح مداراً لمجادلتهم في الجملة.
واعتبرت الإرادة في هذين الوجهين ؛ لأن نفس الرياسة والنبوة ليستا في قلوبهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿مَّا هُم بِبَـالِغِيهِ﴾ : صفة كبر، فالضمير راجع إلى الكبر بتقدير المضاف ؛ أي : ما هم ببالغي مقتضى كبرهم، وهو دفع الآيات، فإني أنشر أنوارها في الآفاق، وأعلي قدرك أو ما هم بمدركي مقتضى ذلك الكبر، وهو ما أرادوه من الرياسة والنبوة.
﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ ؛ أي : التجىء إليه في السلامة من كيد من يحسد ويبغي عليك.
﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالكم ﴿الْبَصِيرُ﴾ لأفعالكم.