البعث.
﴿أَكْبَرُ﴾ أعظم من القدرة.
﴿مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ مرة ثانية، وهي الإعادة، فمن قدر على خلق الأعظم الأقوى بلا أصل ولا مادة وجب أن يقدر على خلق الأذل، الأضعف من الأصل والمادة بطريق الأولى، فكيف يقرون بأن الله خلق السماوات والأرض، وينكرون الخلق الجديد يوم البعث.
﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ يعني : الكفار.
﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أن الإعادة أهون من البداية لقصورهم في النظر والتأمل لفرط غفلتهم واتباعهم لأهوائهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿لَخَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا يَسْتَوِى الاعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ وَلا الْمُسِىاءُا قَلِيلا مَّا تَتَذَكَّرُونَ * إِنَّ السَّاعَةَ لاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾.
﴿وَمَا يَسْتَوِى الاعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ ؛ أي : الغافل والمستبصر، فالمراد بالأعمى من عمي قلبه عن رؤية الآيات والاستدلال بها والبصير من أبصرها.
قال الشاعر :()
أيها المنكح الثريا سهيلاً
عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يماني
أي : فكما لا تساوي بينهما، فكذلك بين المؤمن والكافر، والعالم والجاهل.
﴿وَمَا يَسْتَوِى الاعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ : قدمه لمجاورة البصير، وهو باب من أبواب البلاغة.
والمراد بهن المحسنون.
﴿وَلا الْمُسِىاءُ﴾ اسم جنس يعم المسيئين.
والمعنى : وما يستوي المحسن والمسيء ؛ أي : الصالح والطالح، فلا بد أن يكون لهم حالة أخرى يظهر ما بين الفريقين من التفاوت، وهي فيما بعد البعث، وهو احتجاج آخر على حقيقة البعث والجزاء وزيادة ولا في المسيء لتأكيد النفي لطول الكلام بالصلة ؛ لأن المقصود نفي مساواته للمحسن ؛ لأنه كما لا يساوي المحسن المسيء فيما يستحقه المسيء من الحقارة والهوان، كذلك لا يساوي المسيء المحسن فيما يستحقه المحسن من الفضل والكرامة والعاطف في قوله : والذين : عطف الموصول بما عطف عليه على الأعمى والبصير مع أن المجموع ؛ أي : مجموع الغافل والمستبصر هو مجموع المسيء والمحسن لتغاير الوصفين.
يعني : أن المقصود في الأولين إلى العلم، فإن العمى والبصيرة في القلب.
وفي الآخرين إلى العمل ؛ لأن الإيمان والأعمال في الجوارح، وإلا في الحقيقة المراد : بالبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات واحد وبالأعمى والمسيء واحد، ويجوز أن يراد الدلالة بالصراحة والتمثيل على أن يتحد الوصفان في المقصود ؛ بأن يكون المراد بالأولين أيضاً المحسن والمسيء، فالصراحة بالنسبة إلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والتمثيل بالنسبة إلى ما قبله ؛ فإن الأعمى والبصير من قبيل التمثيل.
﴿قَلِيلا مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾.
قوله : قليلاً صفة مصدر محذوف.
وما تأكيد معنى القلة، وتذكرون على الخطاب بطريق الالتفات على أن يكون الضمير للكفار وفائدة الالتفات في مقام التوبيخ هو إظهار العنف الشديد، والإنكار البليغ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
والمعنى : تذكراً قليلاً تتذكرون أيها الكفار المجادلون، يعني : وإن كنتم تعلمون أن التبصر خير من الغفلة، ولا يستويان، وكذا العمل الصالح خير من العمل الفاسد لكنكم لا تتذكرون إلا تذكراً قليلاً، أو تتذكرون أصلاً، فإنه قد يعبر بقلة الشيء عن عدمه مثل : أن يقال فلان قليل الحياء ؛ أي : لا حياء له.
قال في "تاج المصادر" :(التذكر ياد كردن ويا ياد آوردن وبند كرفتن).
﴿إِنَّ السَّاعَةَ﴾ : إن القيامة ومر وجه التسمية بها مراراً.
﴿لاتِيَةٌ﴾ أكد باللام ؛ لأن المخاطبين هم الكفار وجرد في طه حيث قال : إن الساعة آتية لكون المخبر ليس بشاك في الخبر.
كذا في "برهان القرآن".
﴿لا رَيْبَ فِيهَا﴾ ؛ أي :
١٩٩
في مجيئها لوضوح شواهدها.
ومنها ما ذكر بقوله : لخلق السماوات.
إلخ.
﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾، يعني : الكفار ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ لا يصدقون بها لقصور أنظارهم على الظواهر وقوة الفهم بالمحسوسات.
وهذا الكفر والتكذيب طبيعة النفوس إلا من عصمه الله تعالى، ونظر إلى قلبه بنظر العناية.
روي : أن الصراط سبع قناطر، فيسأل العبد عند القنطرة الأولى عن الإيمان، وهو أصعب القناطر وأهواها قراراً فإن أتى بالإيمان نجا، وإن لم يأت به تردى إلى أسفل السافلين، ويسأل في الثانية عن الصلاة، وفي الثالثة عن الزكاة، وفي الرابعة عن صيام شهر رمضان، وفي الخامسة عن الحج، وفي السادسة عن الأمر بالمعروف، وفي السابعة عن النهي عن المنكر، فإن أجاب في الكل نجا، وإلا تردى في النار :
كرد بعث محمد عربي
تابود خلق رارسول ونبي
هر جه ثابت شود بقول ثقات
كه محمد عليه ألف صلات
دادمارا خبر بموجت آن
واجب آمد بان زما ايمان