قال الشافعي رحمه الله : من انتهض لطلب مدبره ؛ فإن اطمأن إلى موجود ينتهي إليه فكره، فهو مشبه، وإن اطمأن إلى نفي محض، فهو معطل، وإن اطمأن إلى موجود واعتراف بالعجز عن إدراكه، فهو موحد، فأهل السنة يثبتونتعالى صفات ثبوتية وينزهونه عما لا يليق به، فهم إنما يدعون الله تعالى، فما من مؤمن يدعو الله ويسأله شيئاً إلا أعطاه إما في الدنيا وإما في الآخرة.
ويقول : هذا ما طلبت في الدنيا، وقد ادخرته لك إلى هذا اليوم حتى يتمنى العبد أنه ليته لم يعط شيئاً في الدنيا.
ويقال : لم يوفق العبد للدعاء إلا لإرادة الله إجابته، لكن وقوع الإجابة حقيقة، إنما يكون في الزمان المتعين للدعاء كالسلطان إذا كان في وقت الفرح والاستبشار لا يرد السائل البتة.
قال الفضل بن عياض والناس وقوف بعرفات : ما تقولون لو قصد هؤلاء الوفد بعض الكرماء يطلبون منه دانقاً أكان يردهم، فقالوا : لا.
فقال : والله للمغفرة في جنة كرم الله أهون على الله من الدانق في جنة كرم ذلك الرجل، فعرفات وزمان الوقوف من مظان الإجابة.
وكذا جميع أمكنة العبادات وأوقات الطاعات ؛ لأن الله تعالى إذا رأى عبده حيث أمر رضي عنه واستجاب دعاءه، ونعم ما قال سفيان حيث قال بعضهم : ادع الله، فقال : ترك الذنوب هو الدعاء.
قال بعض العارفين بالله : الصلاة أفضل الحركات والصوم أفضل السكنات والتضرع في هياكل العبادات يحل ما عقدته الأفلاك الدائرات.
ولا بد من حسن الظن بالله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
حكي عن بعض البله، وهو في طواف الوداع أنه قال له رجل وهو يمازحه : هل أخذت من الله براءتك من النار، فقال الأبله له : وهل أخذ الناس ذلك، فقال : نعم، فبكى ذلك الأبله، ودخل الحجر وتعلق بأستار الكعبة، وجعل يبكي ويطلب من الله أن يعطيه كتابه بعتقه من النار، فجعل أصحابه والناس يطوفون يعرفونه أن فلاناً مزح معك، وهو لا يصدقهم،
٢٠١
بل بقي مستمراً على حاله، فبينما هو كذلك سقطت عليه ورقة من طرف الميزاب فيها براءته وعتقه من النار فسر بها وأوقت الناس عليها، وكان من آية ذلك الكتاب أنه يقرأ من كا ناحية على السواء، لا يتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها، فعلم الناس أنه من عند الله.
(وكفته اند دعا لفظي جامع است بيست خصلت از خصال حسنات در ضمن آن مجتمع همجون معجوني ساخته ازا خلاط متفرق وآن عبادتست واخلاص وحمد وشكر وثنا تهليل وتوحيد وسؤال ورغبت ورهبت وندا وطلب مناجات وافتقار وخضوع وتذلل ومسكنت واستعانت واستكانت والتجاء رب العالمين باين كلمات مختصر جه كفت) ادعوني أستجب لكم.
(ترابا اين بيست خصلت تراميد هد تايدانى كه اين قرآن جوامع الكلم است).
قال في "ترويح القلوب" : الأدب في ابتداء كل توجه أو دعاء أو اسم التوبة.
وذكر محامد الله، والثناء عليه والتشفع بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم والصلاة عليه، وهو مفتاح باب السعادة، وأكل الحلال، وهو الترياق المجرب والتبري من الحول والقوة وترك الالتجاء لغير الله وحسن الظن بالله، وجمع الهمة وحضور القلب وغاية الدعاء، إظهار الفاقة، وإلا فالله يفعل ما يريد :
جز خضوع وبندكى واضطرار
اندرين حضرت ندارد اعتبار
في الحديث :"إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، وإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم"، "وما سئل الله شيئاً أحب إليه من أن يسأل العافية".
كما في "كشف الأسرار" : ومنه عرف أن مسح اليدين على الوجه عقيب الدعاء سنة، وهو الأصح كما في "القنية".
قال في "الأسرار المحمدية" : كان عليه السلام يأمر أصحابه بمسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، ويحرض عليه.
وسر ذلك أن الإنسان حال دعائه متوجه إلى الله تعالى بظاهره وباطنه، ولذا يشترط حضور القلب فيه، وصحة الاستحضار فسر الرفع والمسح أن اليد الواحدة تترجم عن توجهه بظاهره، واليد الأخرى عن توجهه بباطنه، واللسان مترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك، والتنبيه على الرجوع إلى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن ؛ لأن وجه الشيء حقيقة، والوجه الظاهر مظهرها، والمستحب أن يرفع يديه عند الدعاء إلى حذاء صدره.
كذا فعله النبي عليه السلام.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
كما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، والأفضل أن يبسط كفيه ويكون بينهما فرجة، وإن قلت : ولا يضع إحدى يديه على الأخرى، فإن كان وقت عذر أو برد، فأشار بالمسبحة قام مقام بسط كفيه، والسنة أن يخرج بدنه حين الدعاء من كميه.


الصفحة التالية
Icon