قال سلطان العارفين أبو يزيد البسطامي قدس سره : دعوت الله ليلة، فأخرجت إحدى يدي، والأخرى ما قدرت على إخراجها من شدة البرد، فنعست، فرأيت في منامي أن يدي الظاهر مملوءة نوراً، والأخرى فارغة، فقلت : ولم ذلك يا رب، فنوديت : أن اليد التي خرجت للطلب ملأناها، والتي توارت حرمت.
ثم إن قوله : ادعوني أستجب لكم.
يشير إلى أن معنى ادعوني : اطلبوا مني ؛ أي : لا تطلبوا من غيري، فإن من كنت له يكون له ما كان لي.
وإن من يطلبني يجدني.
كما قال : إن من طلبني وجدني.
قال الشيخ سعدي :
خلاف طريقت بودكا وليا
تمنا كنند از خدا جز خدا
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الداعين العابدين له بالإخلاص.
﴿اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ﴾ :(بيا فريد).
﴿لَكُمُ﴾ :
٢٠٢
(براى منفعت شما).
﴿الَّيْلَ﴾ :(شب تيره را).
﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ ولتستريحوا، فإن الليل لكونه بارداً رطباً تضعف فيه القوى المحركة، ولكونه مظلماً يؤدي إلى سكون الحواس، فتستريح النفس والقوى والحواس بقلة أشغالها وأعمالها، كما قال ابن هيصم : جعل الليل مناسباً للسكون من الحركة ؛ لأن الحركة على وجهين : حركة طبع من الحرارة، وحركة اختيار من الخطرات المتتابعة بسبب الحواس، فخلق الليل مظلماً لتنسد الحواس وبارداً لتسكن الحركة، ولذا قيل للبرد القر ؛ لأجل أن البرد يقتضي السكون والحر الحركة.
﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ ؛ أي : مبصراً فيه أو به، يعني : يبصر به المبصرون الأشياء، ولكونه حاراً يقوي الحركات في اكتساب المعاش، فإسناد الإبصار إلى النهار مجاز فيه مبالغة، ولقصد المبالغة عدل به عن التعليل إلى الحال ؛ بأن قال : مبصراً دون لتبصروا فيه أو به، يعني : أن نفس النهار لما جعل مبصراً فهم أن النهار لكمال سببيته للإبصار وكثرة آثار القوة الباصرة فيه، جعل كأنه هو المبصر، فإن قيل : فلم يسلك هناك سبيل المبالغة.
قلنا : لأن نعمة النهار لشبهها بالحياة أتم، وأولى من نعمة الليل التي تشبه الموت، فكانت أحق بالمبالغة إذ المقام مقام الامتنان ؛ ولأن الليل يوصف بالسكون لسكون هوائه وصفا مجازياً متعارفاً، فسلوك سبيل المبالغة فيه يوقع الاشتباه، كما أشير إليه في "الكشاف"، ثم إذا حملت الآية على الاحتباك.
وقيل : المراد جعل لكم الليل مظلماً لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً لتنتشروا فيه ولتبتغوا من فضل الله، فحذف من الأول بقرينة الثاني.
ومن الثاني بقرينة الأول، لم يحتج إلى ما ذكر.
كذا أفاده سعدي المفتي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال بعضهم : جعل الليل لتسكنوا فيه إلى روح المناجاة والنهار مبصراً لتبصروا فيه بوادي القدرة.
وفيه إشارة إلى ليل البشرية ليسكن أهل الرياضات والمجاهدات فيه إلى استرواح القلوب ساعة فساعة، لئلا يمل من مداومة الذكر.
والتعبد وحمل أعباء الأمانة، وإلى نهار الروحانية لجعله مظهراً للجد والاجتهاد في الطلب والتصبر على التعب، وسكون الناس في الليل على أقسام.
أهل الغفلة يسكنون إلى استراحة النفوس والأبدان.
وأهل الشهوة يسكنون إلى أمثالهم من الرجال والنسوان.
وأهل الطاعة يسكنون إلى حلاوة أعمالهم وبسطهم واستقلالهم وأهل المحبة يسكنون إلى أنين النفوس وحنين القلوب، وضراعة الأسرار واشتعال الأرواح بنار الشوق، وهم يعدمون القرار في ليلهم ونهارهم، أولئك أصحاب الاشتياق أبداً في الاحتراق :
هر كه از درد خدا آكاه شد
ذكر وفكرش دائما الله شد
﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ﴾ عظيم.
﴿عَلَى النَّاسِ﴾ بخلق الليل والنهار لا يوازيه فضل ولا يدانيه.
﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ : تكرير الناس لتنصيص الكفر أن بهم بإيقاعه على صريح اسمهم الظاهر الموضوع موضع الضمير الدال على أن ذلك كان شأن الإنسان، وخاصته في الغالب ؛ أي : لا يشكرون فضل الله وإحسانه لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواضع النعم ؛ أي : رفعة شأنها وعلو قدرها، وإذا فقدوا شيئاً منها يعرفون قدرها مثل أن يتفق لبعض.
والعياذ بالله أن يحسبه بعض الظلمة في بئر عميق مظلم مدة مديدة ؛ فإنه حينئذ يعرف قدر نعمة الهواء بالصافي وقدر نعمة الضوء :
٢٠٣
يكى راعسس دست بريسته بود
همه شب بريشان ودلخسته بود
بكوش آمدش درشب تيره رنك
كه شخصى همى نالد ازدست تنك
شنيد اين سخن دزد مسكين وكفت
زبيجاركى جند نالى بخفت
بروشكر يزدان كن اى تنك دست
كه دستت عسس تنك برهم بنست
يعني فلك القدرة على الكسب :
نداند كسى قدر روز خوشى
مكر روزى افتد بسختى كشى
زمستان درويش بس تنك سال
جه سهلست بيش خداوند مال
جه دانند جيحو نيان قدر آب
زواماند كان برس در آفتاب
كسى قيمت تندرستى شناخت
كه بكجند بيجاره در تب كداخت
ببانك دهل خواجه بيدار كشت
جه داند شب باسبان جون كذشت