يصير على هذا الشكل بعد أربعين يوماً في بطن الأم.
﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا﴾ : الطفل الولد ما دام ناعماً كما في "المفردات" والصغير من كل شيء أو المولود ما في "القاموس" : وحد الطفل من أول ما يولد إلى أن يستهل صارخاً إلى انقضاء ستة أعوام كما في تفسير الفاتحة للفناري، والطفل مفرد لا جمع، كما وهم.
وقوله :﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ () الآية محمول على الجنس، وكذا هو في هذا المقام جنس وضع موضع الجمع ؛ أي : الأطفال، أو المعنى، ثم يخرج كل واحد منكم من رحم الأم حال كونه طفلاً لتكبروا شيئاً فشيئاً.
﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾، كمالكم في القوة والعقل.
وبالفارسية :(بغايت قوت خود كه منتهاى شبابست).
قال في "القاموس" : الأشد واحد جاء على بناء الجمع، بمعنى القوة، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين.
وفي "كشف الأسرار" : يقال : إذا بلغ الإنسان إحدى وعشرين سنة دخل في الأشد، وذلك حين اشتد عظامه وقويت أعضاؤه.
﴿ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا﴾ ؛ أي : تصيروا إلى حالة الشيخوخة، والشيح يقال لمن طعن في السن واستبانت فيه، أو من خمسين، أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره، وإلى ثمانين، كما في "القاموس".
قال في "كشف الأسرار" : يقال : إذا ظهر البياض الإنسان فقد شاب، وإذا دخل في الهرم، فقد شاخ.
قال الشاعر :()
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
فمن عاش شب ومن شب شاب
ومن شاب شاخ ومن شاخ مات
روي : أن أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسول الله، قد شبت فقال :"شيبتني هود وأخواتها"، يعني : سورة هود، وكان الشيب برسول الله صلى الله عليه وسلّم قليلاً، يقال : كان شاب منه إحدى وعشرون شعرة بيضاء، ويقال : سبع عشرة شعرة.
وقال أنس رضي الله عنه : لم يكن في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء وقال بعض الصحابة : ما شاب رسول الله وسئل آخر منهم فأشار إلى عنفقته يعني كان مكان البياض في عنفقته ؛ أي : في شعيرات بين الشفة السفلى والذقن، وإنما اختلفوا لقلتها.
يقال : كان إذا ادهن خفي شيبه.
﴿وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى﴾ : يقبض روحه ويموت.
﴿مِن قَبْلُ﴾ ؛ أي : من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد، أو قبله أيضاً.
﴿وَلِتَبْلُغُوا﴾ : متعلق بفعل مقدر بعده ؛ أي : ولتبلغوا.
﴿أَجَلا مُّسَمًّى﴾ وقتاً محدوداً معيناً لا تتجاوزونه هو وقت الموت، أو يوم القيامة يفعل ذلك ؛ أي : ما ذكر من خلقكم من تراب، وما بعده من الأطوار المختلفة، ولكون المعنى على هذا لم يعطف على ما قبله من لتبلغوا ولتكونوا، وإنما قلنا، أو يوم القيامة ؛ لأن الآية تحتوي على جميع مراتب الإنسان من مبدأ فطرته إلى منتهى أمره فجاز أن يراد أيضاً : يوم الجزاء ؛ لأنه المقصد الأقصى، وإليه كمية الأحوال.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ولكي تعقلوا ما في ذلك الانتقال من طور إلى طور من فنون الحكم والعبر وتستدلوا به على وجود خالق القوى والقدر.
﴿هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُا وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * هُوَ الَّذِى يُحْى وَيُمِيتُا فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَه كُن فَيَكُونُ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَـادِلُونَ فِى ءَايَـاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَـابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِه رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿هُوَ الَّذِى يُحْىِ﴾ الأموات كما في الأرحام وعند البعث.
﴿وَيُمِيتُ﴾ : الأحياء كما عند انقضاء الأجل.
وفي القبر بعد السؤال، وأيضاً : يحيي القلوب الميتة بنور ربوبيته ولطفه، ويميت القلوب بنار قهره، فإذا حيي القلب مات النفس، وإذا مات القلب حيي النفس.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال الحسين النوري قدس سره : هو الذي أحيا العالم بنظره، فمن لم يكن به وبنظره حياً، فهو ميت، وإن نطق تحرك (ع) :(خوشادلى كه زنور خدابود روشن).
﴿فَإِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ : القضاء بمعنى التقدير عبر به عن لازمه الذي هو إرادة التكوين ؛ كأنه قيل : إذا قدر شيئاً من الأشياء، وأراد كونه.
﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَه كُن فَيَكُونُ﴾ من غير توقف على شيء من
٢٠٨
الأشياء أصلاً : يعني :(تكوين اورا احتياج بآلتى وعدتى وفرصتى نيست) :
فعل اوراكه عيب وعلت نيست
متوقف بهيج آلت نيست
ازخم زلف كاف وطره نون
هزرمان شكلى آورد بيرون
وهذا تمثيل لتأثير قدرته تعالى في المقدورات عند تعلق إرادته بها، وتصوير لسرعة ترتب المكونات على تكوينه من غير أن يكون هناك أمر أو مأمور حقيقة.