أما سرور الأولياء في الآخرة، فظاهر، وأما سرورهم في الدنيا، فإن الحق بأيديهم، وهم راضون عن الله على كل حال في الفقر والغنى والصحة والمرض، فلا يكدّرهم شيء من الأكدار لشهودهم المبلى في البلاء وتهيئهم لنعيم الآخرة، وأما غم الأعداء في الدنيا، فمما لا حاجة إلى بيانه إذ من كان مع النفس في الدنيا كيف يستريح، ومن كان مع سخط الله في الآخرة كيف يضحك.
وفي الآية إشارة إلى كيفية القدوم على الله، فإن كان العبد عاصياً، فيقدم على مولاه، وهو عليه غضبان، وإن كان مطيعاً، فيقدم عليه قدوم الحبيب المشتاق على الحبيب :
بهار عمر ملاقات دوستان باشد
﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّا فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَا وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـاَايَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّه فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِىَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ * اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الانْعَـامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾.
روي : أن الذين كانوا يجادلون في آيات الله اقترحوا معجزات زائدة على ما أظهره الله على يده عليه السلام من تفجير العيون وإظهار البساتين وصعود السماوات ونحوها مع كون ما أظهره من المعجزات كافية في الدلالة على صدقه، فأنزل الله تعالى قوله :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا﴾ ذوي عدد كثير إلى قومهم.
﴿مِّن قَبْلِكَ﴾ ؛ أي : من قبل بعثتك يا محمد، أو من قبل زمانك.
﴿مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾.
قوله : منهم خبر مقدم لقوله : من قصصنا عليك.
والجملة صفة لرسلاً، وقص عليه بين ؛ أي : بيناهم وسميناهم لك في القرآن، فأنت تعرفهم.
﴿وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ :
٢١٤
لم نسمعهم ولم نخبرك بهم.
قال الكاشفي :(بعضى از ايشان آنها اندكه خوانده اسم قصهاى ايشان برتوكه آن بيست ونه بيغمبراند).
وفي "عين المعاني" : هم ثمانية عشر :(وبعضى آنا نندكه قصة ايشان نخوانده ايم برتو اما نام ايشان دانسته وغير او وبعضى آنست كه نه نام ايشان دانسته ونه قصة ايشان شنيده ودرايمان بديشان تعيين عدد ومعرفت ايشان بانساب واسامى شرط نيست).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وعن عليّ رضي الله عنه :"إن الله بعث نبياً أسود".
وفي "التكملة" : عبداً حبشياً، وهو ممن لم يقصص الله عليه.
يقول الفقير :"لعل معناه أن الله بعث نبياً أسود إلى السودان"، فلا يخالف ما ورد "من أن الله تعالى ما بعث نبياً إلا حسن الاسم حسن الصورة حسن الصوت"، وذلك لأن في كل جنس حسناً بالنسبة إلى جنسه.
والحاصل : أن المذكور قصصهم من الأنبياء أفراد معدودة، وقد قيل : عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفاً.
قال في "شرح المقاصد" : روي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال : قلت لرسول الله عليه السلام : كم عدد الأنبياء؟.
فقال :"مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً".
فقلت : فكم الرسل، فقال :"ثلاثمائة وثلاثة عشر جماً غفيراً".
لكن ذكر بعض العلماء أن الأولى أن لا يقتصر على عددهم ؛ لأن خبر الواحد على تقدير اشتماله على جميع الشرائط لا يفيد إلا الظن، ولا يعتبر إلا في العمليات دون الاعتقاديات وها هنا حصر عددهم يخالف ظاهر.
قوله تعالى :﴿مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا﴾ إلخ.
ويحتمل أيضاً مخالفة الواقع وإثبات من ليس بنبي إن كان عددهم في الواقع أقل مما يذكر ونفي النبوة عمن هو نبي إن كان أكثر، فالأولى عدم التنصيص على عدد.
وفي رواية : مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً.
كما في "شرح العقائد" للتفتازاني.
قال ابن أبي شريف في "حاشيته" : لم أر هذه الرواية.