قال في "التكملة" : وقول عائشة : لا تقولوا لا نبي بعد محمد إنما ذكر، والله أعلم لئلا يتوهم المتوهم رفع ما روي من نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان، وعلى الحقيقة، فلا نبي بعد رسول الله عليه السلام ؛ لأن عيسى وإن نزل بعده، فهو موجود قبله حي إلى أن ينزل، وإذا نزل، فهو متبع لشريعته مقاتل عليها، فلا يخلق نبي بعد محمد، ولا تجدد شريعة بعد شريعته، فعلى هذا يصح ولا نبي بعده.
وقد روي في أسماء النبي عليه السلام في كتاب "الشمائل" وغيره والعاقب الذي ليس بعده
٢١٦
نبي"، فهذه زيادة وإن لم يذكرها مالك، فهي موجودة في غير "الموطأ"، ويحتمل أن تكون من قبل النبي، أو من قبل الراوي، فإن كانت من قبل النبي عليه السلام، فحسبك بها حجة، وإن كانت من قبل الراوي، فقد صح بها أن إطلاق هذا اللفظ غير ممتنع ولا معارضة بينه وبين حديث عائشة كما ذكرنا.
والمراد به : لا تقولوا : لا نبي بعده يعني : لا يوجد في الدنيا نبي، فإن عيسى ينزل إلى الدنيا ويقاتل على شريعة النبي عليه السلام.
والمراد بقوله عليه السلام في الحديث، والعاقب الذي ليس بعده نبي، ولا يبعث بعده نبي ينسخ شريعته.
وهذا معنى قوله :﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ﴾ (الأحزاب : ٤٠) ؛ أي : الذي ختمت النبوة والرسالة به ؛ لأن نبوة عيسى قبله فنبوته عليه السلام ختمت النبوات وشريعته ختمت الشرائع.
انتهى ما في "التكملة".
وفي "التأويلات النجمية" : تشير الآية إلى أن الحكمة البالغة الأزلية اقتضت أنا نبعث قبلك رسلاً، ونجزي عليهم وعلى أممهم أحوالاً، ثم نقص عليك من أنبائهم ما نثبت به فؤادك ونؤدبك بتأدبهم لتتعظ بهم، ولا نقدمك بالرسالة عليهم ليتعظوا بك فإن السعيد من يتعظ بغيره :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
هر طبيدن قاصدى باشد دل آكاهرا
﴿وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ لاستغنائك عن ذلك تخفيفاً لك عما لا يعنيك.
وهذا أمارة كمال العناية فيما قص عليه وفيما لم يقصص عليه.
﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ﴾ ؛ أي : وما صح وما استقام لرسول منهم.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا﴾ تقترح عليه.
(يعنى بيارد معجزة كه نشأنة نبوت أو باشد).
﴿إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، فإن المعجزات تشعب فنونها عطايا من الله تعالى قسمها بينهم حسبما اقتضته مشيئته المبنية على الحكم البالغة كسائر القسم ليس لهم اختيار في إيثار بعضها ولا ستبداد بإتيان المقترح بها.
وفيه تسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ؛ كأنه قيل : ما من رسول من قبلك سواء كان مذكوراً أو غير مذكور أعطاه الله آيات معجزات إلا جادله قومه فيها وكذبوه عناداً وعبثاً، فصبروا وظفروا، فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا.
وفي المثنوي :
صد هزاران كيميا حق آفريد
كيميايى همجو صبر آدم نديد
﴿فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ بالعذاب في الدنيا والآخرة.
﴿قُضِىَ بِالْحَقِّ﴾ حكم بين الرسل ومكذبيهم بإنجاء المحق وإهلاك المبطل وتعذيبه.
﴿وَخَسِرَ﴾ : هلك، أو تحقق وتبين أنه خسر ﴿هُنَالِكَ﴾ أي : وقت مجيء أمر الله وهو اسم مكان استعير للزمان.
﴿الْمُبْطِلُونَ﴾ أي : المتمسكون بالباطل على الإطلاق، فيدخل فيهم المعاندون المقترحون دخولاً أولياً.
قال في "القاموس" : الباطل ضد الحق وأبطل جاء بالباطل، فالمبطل صاحب الباطل والمتمسك به كما أن المحق صاحب الحق والعامل به ولم يقل، وخسر هنالك الكافرون لما سبق من نقيض الباطل الذي هو الحق كما في "برهان القرآن".
وفي الآية إشارة إلى أنه يجب الرجوع إلى الله قبل أن يجيء أمره وقضاؤه بالموت والعذاب، فإنه ليس بعده إلا الأحزان :
تو بيش از عقوبت در عفو كوب
كه سوى ندارد فغان زير جوب
جه سود از بشيمانى آيد بكف
جو سرماية عمر كردى تلف
كسى كرجه بد كردهم بدنكرد
كه بيش از قيامت غم خويش خورد
٢١٧
يعني :(بيش از قيامت موت زيراكه مرد قيامت او برخاست).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الانْعَـامَ﴾ ؛ أي : خلق الإبل لأجلكم ومصلحتكم جمع نعم بفتحتين، وهو في الأصل الراعية والكثير استعماله في الإبل.
﴿لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ من لابتداء الغاية ومعناها ابتداء الركوب والأكل منها ؛ أي : تعلقهما بها، أو للتبعيض ؛ أي : لتركبوا وتأكلوا بعضها لا على أن كلاً من الركوب، والأكل مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر، بل على أن كل بعض منها صالح لكل منهما، وتغيير النظم في الجملة الثانية لمراعاة الفواصل مع الإشعار بأصالة الركوب ؛ لأن الغرض إنما يكون في المنافع والركوب متعلق بالمنفعة ؛ لأنه إتلاف المنفعة بخلاف الأكل ؛ فإنه متعلق بالعين ؛ لأنه إتلاف العين لا يقدح في ذلك كون الأكل أيضاً من المنافع، ولهذا جاء :﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ (النحل : ١٤).


الصفحة التالية
Icon