﴿اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الانْعَـامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ ءَايَـاتِهِ فَأَىَّ ءَايَـاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ﴾.
﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ﴾ آخر غير الركوب والأكل ؛ كألبانها وأوبارها وجلودها.
﴿وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ﴾ ؛ أي : في قلوبكم بحمل أثقالكم عليها من بلد إلى بلد.
وقال الكاشفي :(تابر سيد بمسافرت برآن بحاجتى كه در سينهاى شماست از سود ومعامله).
وهو عطف على قوله : لتركبوا منها وحاجة مفعول لتبلغوا.
﴿وَعَلَيْهَا﴾ ؛ أي : في الإبل في البر.
﴿وَعَلَى الْفُلْكِ﴾ ؛ أي : السفن في البحر.
﴿تُحْمَلُونَ﴾ نظيره.
﴿وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ (الإسراء : ٧٠).
قال في "الإرشاد" : ولعل المراد به حمل النساء والولدان عليها بالهودج، وهو السر في فصله عن الركوب والجمع بينهما وبين الفلك لما بينهما من المناسبة التامة حتى تسمت سفائن البر، وإنما قال : وعلى الفلك، ولم يقل : في الملك.
كما قال :﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا﴾ (هود : ٤٠) للمزاوجة ؛ أي : ليزاوج ويطابق قوله :﴿وَعَلَيْهَا﴾، فإن محمولات الأنعام مستعلية عليها، فذكرت كلمة الاستعلاء في الفلك أيضاً للمشاكلة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وفي "المدارك" : الإيعاء ومعنى الاستعلاء كلاهما مستقيم ؛ لأن الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له يستعليها، فلما صح المعنيان صحت العبارتان.
وقال بعض المفسرين : المراد بالأنعام في هذا المقام : الأزواج الثمانية، وهي الإبل والبقر والضأن والمعز باعتبار ذكورتها وأنوثتها، فمعنى الركوب والأكل منها تعلقهما بالكل، لكن لا على أن كلاً منهما يجوز تعلقه بكل منها، ولا على أن كلا منهما مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر على أن بعضها يتعلق به الأكل فقط كالغنم، وبعضها يتعلق به كلاهما كالإبل والبقر والمنافع تعمّ الكل وبلوغ الحاجة عليها يعم البقر.
وفي الآية إشارة إلى أن الله تعالى خلق النفس البهيمية الحيوانية لتكون مركباً لروحكم العلوي.
﴿وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ﴾ من مشاهدة الحق ومقامات القرب، ولكم في صفاتها منافع، وهي الشهوة الحيوانية ومنفعتها إنها مركب العشق والغضب، وأن مركب الصلابة في الدين والحرص مركب الهمة، وبهذه المركب يصل السالك إلى المراتب العلية كما قال.
﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ﴾ ؛ أي : صفات القلب ﴿تُحْمَلُونَ﴾ إلى جوار الحق تعالى.
جون بيخبر ان دامن فرصت مده از دست
تاهست بروبال زعالم سفرى كن
﴿وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ﴾ : دلائله الدالة على كمال قدرته وفور رحمته.
﴿وَيُرِيكُمْ ءَايَـاتِهِ فَأَىَّ ءَايَـاتِ﴾.
فإن كلاً منها من الظهور بحيث لا يكاد يجرؤ على إنكارها من له عقل في الجملة، وهو ناصب لأي.
وإضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وتهويل إنكارها.
فإن قلت : كان الظاهر أن
٢١٨
يقال : فأية آيات الله بتاء التأنيث لكون ؛ أي : عبارة عن المؤنث لإضافته إليها.
قلت : تذكير ؛ أي : هو الشائع المستفيض والتأنيث قليل ؛ لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة، وإنسان وإنسانة غريب، وهي في أي أغرب لإبهامه، فإن قصد التمييز والتفرقة ينافي الإبهام.
وهذا في غير النداء، فإن اللغة الفصيحة الشائعة أن تؤنث أياً الواقعة في نداء المؤنث كما في قوله تعالى :﴿يا أيتها النَّفْسُ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ﴾ (الفجر : ٢٧)، ولم يسمع أن يقال : يا أيها المرأة بالتذكير.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
اعلم أن جميع أجزاء العالم آيات بينات وحجج واضحات ترشدك إلى وحدانية الله تعالى وكمال قدرته، لكن هداية الله تعالى إلى جهة الإرشاد وكيفية أصل الأصول.
قال بعض الكبار في سبب توبته : كنت مستلقياً على ظهري، فسمعت طيوراً يسبحن، فأعرضت عن الدنيا وأقبلت على المولى وخرجت في طلب المرشد، فلقيت أبا العباس الخضر، فقال لي : اذهب إلى الشيخ عبد القادر، فإني كنت في مجلسه، فقال : إن الله جذب عبداً إليه، فأرسله إليّ إذا لقيته، قال : فلما جئت إليه، قال : مرحباً بمن جذبه الرب بألسنة الطير، جمع له كثيراً من الخير، فإذا أراد الله بعبده خيراً يجذبه إليه بماء شاء، ولا تفرقة بين شيء وشيء، فمن له بصيرة يرى في مرائي الأشياء جمال الوحدة.
محقق همى بيند اندر ابل
كه در خوب رويان جين وجكل
ثم إن أعظم الآيات أنبياء الله وأولياؤه إذ تجلى الحق من وجوههم بنعت العزة والكبرياء للعالمين، وأي منكر أعطم ممن ينكر على هذه الآيات الساطعة والبراهين الواضحة.