قال سهل : أظهر آياته في أوليائه، وجعل السعيد من عباده من صدقهم في كراماتهم وأعمى أعين الأشقياء عن ذلك، وصرف قلوبهم عنهم، ومن أنكر آيات أوليائه، فإنه ينكر قدرة الله، فإن القدرة الإلهية أظهر على الأولياء الأمارات لا هم بأنفسهم يظهرونها، والله تعالى يقول :﴿وَيُرِيكُمْ ءَايَـاتِهِ فَأَىَّ ءَايَـاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ﴾، ثم إن الإنكار بعد التعريف والإعلام أشد منه قبله، فطوبى لمن أخذ بإشارة المرشد وإرشاده، ولا يكون في زمرة المنكرين الضالين.
قال حجة الإسلام : العجب منك أنك تدخل بين غني فتراه مزيناً بأنواع الزين، فلا ينقطع تعجبك منه، ولا تزال تذكره وتصف حسنه طول عمرك، وأنت تنظر إلى بيت عظيم، وهو العالم لم يخلق مثله لا تتحدث فيه ولا تلتفت بقلبك، ولا تتفكر في عجائبه وذلك لعمى القلب المانع عن الشهود والرؤية ونعم ما قيل :
برك درختان سبز در نظر هو شيار
هر ورقى دفتريست معرفت كردكار
ولا بد لتحصيل هذه المرتبة من التوسل بالأسباب وأعظمها الذكر في جميع الأوقات.
وقال : إلى أن يفتح مفتح الأبواب.
﴿وَيُرِيكُمْ ءَايَـاتِهِ فَأَىَّ ءَايَـاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الارْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءَاثَارًا فِى الارْضِ فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا﴾ : الهمزة للاستفهام التوبيخي، والفاء : للعطف على مقدر ؛ أي : أقعدوا ؛ أي : قومك، وهم قريش، فلم يسيروا ولم يسافروا ﴿فِى الأرْضِ﴾.
(در زمين عاد وثمود).
﴿فَيَنظُرُوا﴾ ويعتبروا جواب الاستفهام.
وبالفارسية :(تابنكر ندكه).
﴿كَيْفَ كَانَ﴾ :(جه كونه بود).
﴿عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم المهلكة، يعني : أنهم قد ساروا في أطراف الأرض، وسافروا إلى جانب الشام واليمن وشاهدوا مصارع المكذبين من الأمم السالفة وآثارهم، فليحذروا من مثل عذابهم، فلا يكذبوك يا محمد.
ثم بين مبادىء أحوال الأمم المتقدمة وعواقبها، فقال :﴿كَانُوا﴾ ؛ أي : تلك الأمم.
﴿أَكْثَرَ﴾ عدداً ﴿مِنْهُمْ﴾ ؛ أي : من قومك.
٢١٩
﴿وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ في الأبدان والعدد.
﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى﴾ باقية بعدهم من الأبنية والقصور والمصانع، وهي جمع مصنعة بفتح النون وضمها شيء كالحوض يجمع فيها ماء المطر، ويقال : الصهريج أيضاً، وتغلط فيه العامة من الأتراك، فيقولون صارنج، وأكثر بلاد العرب محتاجة إلى هذا لقلة الماء الجاري والآبار.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى﴾ بطول الأعمار.
وقيل : هي آثار أقدامهم في الأرض بعظم إجرامهم.
وحكي عن الشيخ محيي الدين بن العربي قدس سره : أنه قال : قد اجتمعت بجماعة من قوم يونس عليه السلام سنة خمس وثمانين وخمسمائة بالأندلس حيث كنت فيه، وقست أثر رجل واحد منهم في الأرض، فرأيت طول قدمه ثلاثة أشبار وثلثي شبر.
﴿فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم﴾ : يقال : أغنى عنه كذا إذا كفاه ونفعه، وهو إذا استعمل بعن يتعدى إلى مفعول كما سبق ؛ أي : لم يغن عنهم لم يدفع ولم ينفع.
﴿مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ كسبهم أو مكسوبهم من الأموال والأولاد وترتيب العساكر، فإذا لم تفدهم تلك المكنة العظيمة إلا الخيبة والخسار، فكيف هؤلاء الفقراء والمساكين.
ويجوز أن تكون ما الأولى استفهامية بمعنى ؛ أي شيء أغنى عنهم ذلك، وما الثانية على التقديرين، فاعل أغنى.
وهذه الفاء : بيان عاقبة كثرتهم وشدة قوتهم، وما كانوا يكسبون بذلك زعماً منهم أن ذلك يغني عنهم، فلم يترتب عليه إلا عدم الإغناء، فهذا الاعتبار جرى مجرى النتيجة، وإن كان عكس الغرض ونقيض المطلوب كما في قولك وعظته، فلم يتعظ ؛ أي : لم يترتب عليه إلا عدم الاتعاظ مع أنه عكس المتوقع.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨