﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ بالمعجزات والدلالات الواضحة.
وهذه الفاء : تفسير وتفصيل لما أبهم وأجمل من عدم الإغناء، فهي تعقيبية وتفسيرية، إذ التفسير يعقب المفسر، وقد كثر في الكلام مثل هذه الفاء ومبناها على التفسير بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال.
﴿فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾، لقوله :﴿كُلُّ حِزْبا بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (الروم : ٣٢) ؛ أي : أظهروا الفرح بذلك واستحقروا علم الرسل.
والمراد بالعلم : ما لهم من العقائد الزائغة والشبه الباطلة كما قالوا لا نبعث ولا نعذب وما أظن الساعة قائمة ونحو ذلك وتسميتها علماً مع أن الاعتقاد الغير المطابق للواقع حقه أن يسمى جهلاً للتهكم بهم، فهي علم على زعمهم لا في الحقيقة.
أو المراد علم الصنائع والتنجيم والطبائع، وهو أي علم الطبائع علم الفلاسفة، فإن الحكماء كانوا يصغرون علوم الأنبياء ويكتفون بما يكسبونه بنظر العقل، ويقولون : نحن قوم مهتدون، فلا حاجة بنا إلى من يهدينا كما قال سقراط لما ظهر موسى عليه السلام : نحن قوم مهذبون لا حاجة بنا إلى تهذيب غيرنا.
قال المغربي :
علم بى دينان رها كن جهل راحكمت مخوان
از خيالات وظنون اهل يونان دم مزن
وكان يكنى في الجاهلية بأبي الحكم لأنهم يزعمون أنه عالم ذو حكمة فكناه النبي في الإسلام بأبي جهل ؛ لأنه لو كان له علم حقيقة لآمن بالرسول عليه السلام.
قال الحافظ :
سراى ومدرسه وبحث علم وطاق ورواق
جه سود جون دل دانا وجشم بينا نيست
وفي "التأويلات النجمية" : من العلم ؛ أي : من شبه المعقولات والمخيلات والموهومات، ويجوز أن يرجع عندهم للرسل على أن المراد هو العلم الذي أظهره رسلهم وبفرح الكفار به ضحكهم منه واستهزاؤهم به ويؤيده قوله تعالى :﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ﴾ ؛ أي : نزل
٢٢٠
بالكفار وأصابهم وبال استهزائهم بالأنبياء واستحقارهم لعلومهم وما أخبروا به من العذاب ونحوه، فلم يعجزوا الله في مراده منهم.
وفي المثنوي :
آن دهان كز كرد وزتسخر بخواند
مر محمد را دهانش كز بماند
باز آمد كاى محمد عفو كن
اي ترا الطاف وعلم من لدن
من ترا افسوس ميكردم زجهل
من بدم افسوس را منسوب واهل
جون خداخواهدكه برده كس درد
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
ميلش اندر طعنة باكان برد
بس سباس اوراكه مارا درجهان
كرد بيدا اوبس بيشسينيان
تا شنيدم آن سياستهاى حق
بر قرون ماضيه اندر سبق
تاكه ما از حال آن كركان بيش
همجو روبه باس خود داريم بيش
امت مرحومه زين رو خواند مان
آن رسول حق وصادق دربيان
استخوان وبشم آن كركان عيان
بنكريد وبند كيريد اى مهان
عاقل از سر بنهد اين هستى وباد
جون شنيد آنجام فرعونان وعاد
ورنه بنهد ديكران از حال او
عبرتى كيرند از اضلال او
نسأل الله التوفيق للعلم الذي يوصل إلى التحقيق :
نتوان بقيل وقال زارباب حال شد
منعم نمى شود كسى از كفت وكوى كنج
فلا بد من الانقياد للحق والاجتهاد في العمل.
قال الخجندي :
در علم محققان جدل نيست
از علم مراد جز عمل نيست
قال في "الروضة" : صلى الحجاج في جنب ابن المسيب فرآه يرفع قبل الإمام، ويضع رأسه، فلما سلم أخذ بثوبه حتى فرغ من صلاته ودعائه، ثم رفع نعله على الحجاج، فقال : يا سارق ويا خائن تصلي على هذه الصفة، لقد هممت أن أضرب بها وجهك.
وكان الحجاج حاجاً، فرجع إلى الشام وجاء والياً على المدينة، ودخل من فوره المسجد قاصداً مجلس سعيد بن المسيب، فقال له : أنت صاحب الكلمات.
قال : نعم أنا صاحبها.
قال : جزاك الله من معلم ومؤدب خيراً ما صليت بعدك إلا ذاكراً قولك، فلا بد من الحركة بمقتضى العلم.
﴿فَلَمَّا رَأَوْا﴾ ؛ أي : الأمم السالفة المكذبة.
﴿بَأْسَنَا﴾ : شدة عذابنا في الدنيا ووقعوا في مذلة الخيبة، ومنه قوله تعالى :﴿بِعَذَابا بَئِيس﴾ (الأعراف : ١٦٥) ؛ أي : شديد.
﴿قَالُوا﴾ : مضطرين ﴿بِاللَّهِ وَحْدَه وَكَفَرْنَا﴾ :(بخداى يكبتا).
﴿وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ﴾ ؛ أي : بسبب الإيمان به يعنون الأصنام.
﴿مُشْرِكِينَ﴾.
يعني :(ازانباز كه ميكفتيم بيزار وبرى كشتيم).
وهذه الفاء لمجرد التعقيب وجعل ما بعدها تابعاً لما قبلها واقعاً عقيبه ؛ لأن مضمون قوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ﴾.
إلخ.
هو أنهم كفروا، فصار مجموع الكلام بمنزلة أن يقال : فكفروا ثم لما رأوا بأسنا آمنوا.
﴿فَلَمْ يَكُ﴾ أصله : لم يكن حذفت النون لكيرة استعماله.
﴿يَنفَعُهُمْ إِيمَـانُهُمْ﴾ ؛ أي : تصديقهم بالوحدانية اضطراراً.
وقوله : إيمانهم.
يجوز أن يكون اسم كان وينفعهم خبره مقدماً عليه، وأن يكون فاعل ينفعهم واسم كان ضمير الشأن المستتر فيه.
﴿لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ ؛ أي : عند رؤية عذابنا والوقوع فيه لامتناع قبوله حينئذ امتناعاً عادياً، كما يدل عليه قوله :﴿فَلَمْ يَكُ﴾.
٢٢١
إلخ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨


الصفحة التالية
Icon