زيرا دروقت معاينة عذاب تكليف مرتفع ميشود وايمان در زمان تكليف مقبولست نه دروقت يأس).
فامتنع القبول ؛ لأنهم لم يأتوا به في الوقت المأمور به، ولذلك قيل : فلم يك بمعنى لم يصح ولم يستقم، فإنه أبلغ في نفي النفع من لم ينفعهم إيمانهم.
وهذه الفاء : للعطف على آمنوا كأنه قيل : فآمنوا، فلم ينفعهم ؛ لأن النافع هو الإيمان الاختياري الواقع مع القدرة على خلافه، ومن عاين نزول العذاب لم يبق له القدرة على خلاف الإيمان، فلم ينفعه وعدم نفعه في الدنيا دليل على عدم نفعه في الآخرة.
﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾.
قوله : سنة من المصادر المؤكدة، وخلت من الخلوّ يستعمل في الزمان والمكان، ولكن لما تصور في الزمان المضي فسر أهل اللغة قولهم : خلا الزمان بقولهم : مضى وذهب ؛ أي : سن الله عدم قبول إيمان من آمن وقت رؤية البأس ومعاينته سنة ماضية في عباده مطردة ؛ أي : في الأمم السالفة المكذبة كلها، ويجوز أن ينتصب سنة على التحذير ؛ أي : احذروا سنة الله المطردة في المكذبين السابقين.
والسنة : الطريقة والعادة المسلوكة وسنة الله طريقة حكمته.
﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَـافِرُونَ﴾ قوله : هنالك اسم مكان في الأصل موضوع للإشارة إلى المكان قد استعير في هذا المقام للزمان ؛ لأنه لما أشير به إلى مدلول.
قوله :﴿لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾، ولما للزمان تعين أن يراد به الزمان تشبيهاً له بالمكان في كونه ظرفاً للفعل كالمكان.
والمعنى على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما : هلك الكافرون بوحدانية الله المكذبون وقت رؤيتهم البأس والعذاب.
وقال الزجاج : الكافر خاسر في كل وقت، ولكنه تبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب، ولم يرج فلاحهم، ولم يقل : وخسر هنالك المبلطلون كما فيما سبق ؛ لأنه متصل بإيمان غير مجدد ونقيض الإيمان الكفر كما في "برهان القرآن" ؛ أي : فحسن موقعه كما حسن موقع قوله المبطلون على ما عرف سره في موقعه.
اعلم أن في إيمان البأس واليأس وتفاصيل أقررها لك، فانظر ماذا ترى قال في "الأمالي" :()
وما إيمان شخص حال بأس
بمقبول لفقد الامتثال
قوله : بأس بالباء الموحدة وبسكون الهمزة لم يقل : يأس بالياء المثناة لموافقة قوله تعالى :﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾، فاشتمل على ما بالموحدة والمثناة، وأصل البأس الشدة والمضرة، وحال البأس، هو وقت معاينة العذاب وانكشاف ما جاءت به الأخبار الإلهية من الوعد والوعيد.
وحال اليأس هو وقت الغرغرة التي تظهر عندها أحكام الدار الآخرة عليه بعد تعطيل قواه الحسية، ويستوي في حال البأس بالموحدة الإيمان والتوبة لقوله تعالى :﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ﴾.
الآية ورجاء الرحمة إنما يكون في وقته وبظهور الوعيد خرج الوقت من اليد، ولم يتصور الامتثال ووقع الإيمان ضرورياً خارجاً عن الاختيار، ألا ترى أن إيمان الناس لا يقبل عند طلوع الشمس من مغربها ؛ لأنه إيمان ضروري، فلا يعتبر ؛ لأنه يجوز أن يكون إيمان المضطر لغرض النجاة من الهلاك بحيث لو تخلص لعاد لما اعتاد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وقد قال العلماء : الرغبة في الإيمان والطاعة لا تنفع إلا إذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه إيماناً وطاعة.
وأما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب، فغير مفيد كما في "حواشي الشيخ" في سورة الأنعام.
وفي المثنوي :
آن ندامت از نتيجه رنج بود
بى زعقل روشن جون كنج بود
٢٢٢
جونكه شد رنج آن ندامت شد عدم
مى نير زد خاك آن توبه ندم
ميكند او توبه وبير خرد
بانك لوردوا لعادوا ميزند
فيكون الإيمان والندم وقت ظهور الوعيد الدنيوي كالإيمان والندم وقت وجود الوعيد الأخروي بلا فرق، فكما لا ينفع هذا كذلك لا ينفع ذاك لأن الآخرة وما في حكمها من مقدماتها في الحكم سواء ولذلك ورد من مات فقد قامت قيامته، وذلك لأن زمان الموت آخر زمان من أزمنة الدنيا، وأول من أزمنة الآخرة، فباتصال زمان الموت بزمان القيامة كان في حكمه فإيمان فرعون وأمثاله عند الغرق أو نحوه من قبيل ما ذكر من الإيمان الاضطراري الواقع عند وقوع الوعيد الذي ظهوره في حكم ظهور أحوال الآخرة ومشاهدته في حكم مشاهدة العذاب الأخروي.
فحال البأس بالموحدة كحال الغرغرة من غير فرق فكما لا يقبل الإيمان حال الغرغرة، فكذا حال البأس ففرعون مثلاً لم يقبل إيمانه حال الغرق، لكونه حال البأس، وإن كان قبل الغرغرة، فافهم جداً، فإنه من مزالق الأقدام.


الصفحة التالية
Icon