جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن القرآن قديم من حيث أنه كلام الله وصنعته والعربية كسوة مخلقة كساها الله تعالى ومن قال أن القرآن أعجمي يكفر ؛ لأنه معارضة لقوله تعالى :﴿قُرْءَانًا عَرَبِيًّا﴾، وبوجود كلمة عجمية فيه معربة لا يخرج عن كونه عربياً ؛ لأن العبرة للأكثر.
وذلك كالقسطاس، فإنه رومي معرب بمعنى الميزان والسجيل، فإنه فارسي معرب سنك، وكل والصلوات، فإنه عبراني معرب صلوتا بمعنى المصلى والرقيم، فإنه رومي بمعنى الكلب والطور، فإنه الجبل بالسرياني.
﴿لِّقَوْمٍ﴾ ؛ أي : عرب.
﴿يَعْلَمُونَ﴾ ؛ أي : كائناً لقوم يعلمون معانيه لكونه على لسانهم، فهو صفة أخرى لقرآناً.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ العربية والعربية بحروفها مخلوقة والقرآن منزه عنها.
﴿بَشِيرًا﴾ : صفة أخرى لقرآناً ؛ أي : بشيراً لمن صدقه وعرف قدره وأدى
٢٢٦
حقه بالجنة والوصول.
﴿نَذِيرًا﴾ لمن كذبه، ولم يعرف قدره، ولم يؤد حقه بالنار والفراق، أو بشيراً لمن أقبل إلى الله بنعت الشوق.
ونذيراً لمن أقبل إلى نفسه ونظر إلى طاعته، أو بشيراً لأوليائه بنيل المقامات، ونذيراً لهم يحذرهم من المخالفات لئلا يسقطوا من الدرجات، أو بشيراً بمطالعة الرجاء ونذيراً بمطالعة الخوف، أو بشيراً للعاصين بالشفاعة والغفران، ونذيراً للمطيعين ليستعملوا الأدب والأركان في طاعة الرحمن، أو بشيراً لمن اخترناهم واصطفيناهم، ونذيراً لمن أغويناهم.
﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ﴾ عن تدبره مع كونه على لغتهم، والضمير لأهل مكة أو العرب أو المشركين دال عليه ما سيجيء من قوله :﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ﴾.
﴿فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ سماع تفكر وتأمل حتى يفهموا جلالة قدره، فيؤمنوا به.
وفي "التأويلات النجمية" : فأعرض أكثرهم عن أداء حقه فهم لا يسمعون بسمع القبول والانقياد.
وفيه إشارة إلى أن الأقل هم أهل السماع، وإنما سمعوا بأن أزال الله تعالى بلطفه ثقل الآذان، فامتلأت الأذهان بمعاني القرآن.
سئل عبد الله بن المبارك عن بدء حاله، فقال : كنت في بستان، فأكلت مع إخواني وكنت مولعاً ؛ أي : حريصاً بضرب العود والطنبور، فقمت في جوف الليل والعود بيدي وطائر فوق رأسي يصيح على شجرة، فسمعت الطير يقول :﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ (الحديد : ١٦)، الآية.
فقلت : بلى، وكسرت العود، فكان هذا أول زهدي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وقد ورد في التوراة أنه تعالى قال :"يا عبدي أما تستحي مني إذ يأتيك كتاب من بعض أخوانك، وأنت في الطريق تمشي، فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفاً حرفاً، حتى لا يفوتك منه شيء.
وهذا كتابي أنزلته إليك انظره كم فصلت لك فيه من القول، وكم كررت فيه عليك لتتأمل طوله وعرضه، ثم أنت معرض عنه أو كنت أهون عليك من بعض إخوانك.
يا عبدي يعقد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك، وتصغي إلى حديثه بكل قلبك، فإن تكلم متكلم، أو شغلك شاغل عن حديثه، أو مال إليه أن كف وها أنا مقبل عليك، ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني، أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك".
كذا في "الإحياء".
﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ وَفِى ءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنا بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَـامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالاخِرَةِ هُمْ﴾.
﴿وَقَالُوا﴾ ؛ أي : المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عند دعوته إياهم إلى الإيمان والعمل بما في القرآن.
﴿قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ﴾ جمع كنان، وهو الغطاء الذي يكنّ فيه الشيء ؛ أي : يحفظ ويستر ؛ أي : في أغطية متكاثفة.
﴿مِمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ﴾ ؛ أي : تمنعنا من فهم ما تدعونا إليه وتورده علينا، وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وحذف متعلق حرف الجر أيضاً شبهوا قلوبهم بالشيء المحوي المحاط بالغطاء المحيط له، بحيث لا يصيبه شيء من حيث تباعدها عن إدراك الحق واعتقاده.
قال سعدي المفتي : ورد هنا كلمة في.
وفي الكهف على ؛ لأن القصد هنا إلى المبالغة في عدم القبول.
والأكنة إذا احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف لا يمكن أن يصل إليها شيء، وليست تلك المبالغة في على، والسياق في الكهف للعظمة، فيناسبه أداة الاستعلاء.
﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى﴾ ؛ أي : صمم.
قال في "القاموس" : الوقر : ثقل الأذن، أو ذهاب السمع كله شبهوا أسماعهم بآذان بها صمم من حيث أنها تمج الحق، ولا تميل إلى استماعه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥


الصفحة التالية
Icon