وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى﴾ : ما ينفعنا كلامك قالوه حقاً، وإن قالوا على سبيل الاستهانة والاستهزاء ؛ لأن قلوبهم في أكنة حب الدنيا وزينتها مقفولة
٢٢٧
بقفل الشهوات والأوصاف البشرية، ولو قالوا ذلك على بصيرة لكان ذلك منهم توحيداً، فتعرضوا للمقت لما فقدوا من صدق القلب.
﴿وَمِنا بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ ستر عظيم وغطاء غليظ يمنعنا عن التواصل والتوافق.
ومن للدلالة عن أن الحجاب مبتدأ من الجانبين بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة المعبر عنها بالبين، ولم يبق ثمة فراغ أصلاً، فيكون حجاباً قوياً عريضاً مانعاً من التواصل بخلاف ما لو قيل : بيننا وبينك حجاب، فإنه يدل على مجرد حصول الحجاب في المسافة المتوسطة بينهم وبينه من غير دلالة على ابتدائه من الطرفين، فيكون حجاباً في الجملة لا كما ذكر.
شبهوا حال أنفسهم مع رسول الله عليه السلام بحال شيئين بينهما حجاب عظيم يمنع من أن يصل أحدهما إلى الآخر، ويراه ويوافقه، وإنما اقتصروا على ذكر هذه الأعضاء الثلاثة ؛ لأن القلب محل المعرفة والسمع والبصر أقوى ما يتوسل به إلى تحصيل المعارف، فإذا كانت هذه الثلاثة محجوبة كان ذلك أقوى ما يكون من الحجاب نعوذ بالله تعالى.
قال بعضهم : قلوبهم في حجاب من دعوة الحق وأسماعهم في صمم من نداء الحق، وهواتفه وجعل بينهم وبين الحق حجاب من الوحشة والإبانة، ولذا وقعوا في الإنكار ومنعوا من رؤية الآثار :
در جشم اين سياه دلان صبح كاذبست
در روشنى اكريد بيضا شود كسى
﴿فَاعْمَلْ﴾ على دينك.
﴿إِنَّنَا عَـامِلُونَ﴾ على ديننا.
﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ﴾ ؛ أي : ما إلهكم إلا إله واحد لا غيره، وهذا تلقين للجواب عما ذكره المشركون ؛ أي : لست من جنس مغاير لكم حتى يكون بيني وبينكم حجاب، وتباين مصحح لتباين الأعمال والأديان كما ينبىء عنه قولكم، فاعمل إننا عاملون، بل إنما أنا بشر وآدمي مثلكم مأمور بما أمرتم به حيث أخبرنا جميعاً بالتوحيد بخطاب جامع بيني وبينكم، فإن الخطاب في إلهكم محكيّ منتظم للكل، لا أنه خطاب منه عليه السلام للكفرة كما في مثلكم.
وفي الآية إشارة إلى أن البشر كلهم متساوون في البشرية مسدود دونهم باب المعرفة ؛ أي : معرفة الله بالوحدانية بالآلات البشرية من العقل وغيره، وإنما فتح هذا الباب على قلوب الأنبياء بالوحي، وعلى قلوب الأولياء بالشواهد والكشوف وعلى قلوب المؤمنين بالإلهام والشرح كما قال تعالى :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَـامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ (الزمر : ٢٢)، كما في "التأويلات النجمية".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
قال الحسن رضي الله عنه علمه الله التواضع بقوله :﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾.
ولهذا كان يعود المريض ويشيع الجنازة ويركب الحمار ويجيب دعوة العبد، وكان يوم قريظة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه إكاف من ليف :(عجب كاريست كه كاه مركب وى براق بهشتى وكاه مركب خركى آرى مركب مختلف بود اما درهر دوحالت راكب يك صفت ويك همت ويك ارادت بود اكر بر براق بود درسرش نخوت نبوت واكر بر حمار بود برخسار عز نبوتش غبار مذلت نبود) :
خلق خوش عود بود انجمن مردم را
جون زنان خود مفكن برسر مجمر دامن
﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ : من جملة المقول.
والفاء : لترتيب ما بعدها على ما قبلها من إيحاء الوحدانية، فإن ذلك موجب لاستقامتهم إليه تعالى بالتوحيد والإخلاص في الأعمال، وعدّي فعل
٢٢٨
الاستقامة بإلى لما فيه من معنى الاستواء ؛ أي : فاستووا إليه بذلك.
والاستقامة : الاستمرار على جهة واحدة.
﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ مما كنتم عليه من سوء العقيدة والعمل.
وفي "المقاصد الحسنة" قال صلى الله عليه وسلّم "استقيموا ولن تحصوا" ؛ أي : لن تستطيعوا أن تستقيموا في كل شيء حتى لا تميلوا.
وقال :"شيبتني هود وأخواتها".
لما فيها من قوله : فاستقم.
قال بعضهم : إذا وقع العلم والمعرفة، فاستغفروه من علمكم وإدراككم به ومعاملتكم له ووجودكم في وجوده، فإنه تعالى أعظم من إدراك الخليقة وتلاصق الحدثان بجناب جلاله.
وقال بعضهم : الاستقامة مساواة الأحوال مع الأفعال والأقوال، وهو أن يخالف الظاهر والباطن، والباطن الظاهر، فإذا استقمت استقامت أحوالك، واستغفر من رؤية استقامتك.
واعلم أن الله تعالى هو الذي قومك لا أنك استقمت.
﴿وَوَيْلٌ﴾ :(وسختى عذاب) ﴿لِّلْمُشْرِكِينَ﴾ : ترهيب وتنفير لهم عن الشرك إثر ترغيبهم في التوحيد.