الأول : كفرهم بالله بإلحادهم في ذاته وصفاته كالتجسم، واتخاذ الصاحبة والولد والقول بأنه لا يقدر على إحياء الموتى، وأنه لا يبعث البشر رسلاً.
والثاني : إثبات الشركاء والأنداد له تعالى، فالكفر المذكور أولاً مغاير لإثبات الأنداد له ضرورة عطف أحدهما على الآخر.
﴿ذَالِكَ﴾ العظيم الشأن الذي فعل ما ذكر من خلق الأرض في يومين، وهو مبتدأ خبره قوله :﴿رَبُّ الْعَـالَمِينَ﴾ ؛ أي : خالق جميع الموجودات ومربيها دون الأرض خاصة، فكيف يتصور أن يكون أخس مخلوقاته ندّاً له تعالى.
﴿قُلْ أَاـاِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الارْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَه أَندَادًا ذَالِكَ رَبُّ الْعَـالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِن فَوْقِهَا وَبَـارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآاـاِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلارْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ﴾.
﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ﴾ عطف على وخلق داخل في حكم الصلة.
والجعل إبداعي والمراد تقدير الجعل لا الجعل بالفعل.
والمراد بالرواسي : الجبال الثابتة المستقرة.
وبالفارسية :(كوههاى بلنديا يدار).
يقال : رسا الشيء يرسو ثبت وأرساه غيره ومنه المرساة وهو أنجر السفينة وقفت على الأنجر).
بالفارسية :(لنكر).
﴿مِن فَوْقِهَا﴾ : متعلق بجعل، أو بمضمر هو صفة لرواسي ؛ أي : كائنة من فوقها مرتفعة عليها لتكون منافعها ظاهرة للطلاب، وليظهر للناظر ما فيها من وجوه الاستدلال، وإلا فالجبال التي أثبتت فوق الأرض لا تمنعها عن الميلان، ولو كانت تحتها كأساطين الغرف، أو مركوزة فيها كالمسامير لمنعتها عنه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أول ما خلق الله من شيء خلق القلم.
وقال له : اكتب.
قال : يا رب ما أكتب؟.
قال : اكتب القدر، فجرى بما يكون من ذلك إلى يوم القيامة.
ثم خلق النون، ثم رفع بخار الماء، ففتق منه السماوات، ثم بسط الأرض على ظهر النون، فاضطرب النون، فمادت الأرض ؛ أي : مالت فأوتدت بالجبال ؛ أي : أحكمت وأثبتت.
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره : لما خلق الله الأرض على الماء تحركت ومالت، فخلق الله من الأبخرة الغليظة الكثيفة الصاعدة من الأرض بسبب هيجانها الجبال، فسكن ميل الأرض، وذهبت تلك الحركة التي لا يكون معها استقرار فطوّق الأرض بجبل محيط بها، وهو من صخرة خضراء وطوق الجبل بحية عظيمة رأسها بذنبها رأيت من الأبدال من صعد جبل قاف، فسألته عن طوله علواً، فقال : صليت الضحى في أسفله والعصر في أعلاه يعني : بخطوة الأبدال، وهي من المشرق إلى المغرب.
يقول الفقير : لعل هذا من قبيل البسط في السير الملكوتي، وإلا فما بين السماء والأرض كما بين المشرق والمغرب، وهي خمسمائة عام على ما قالوا.
وعن وهب : أن ذا القرنين أتى على جبل قاف فرأى حوله جبالاً صغاراً، فقال : ما أنت؟ قال : أنا قاف.
قال : فما هذه الجبال حولك؟ قال : هي عروقي، وليست مدينة إلا وفيها عرق منها، فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة أمرني، فحركت عرقي ذلك فتزلزلت تلك المدينة.
قال : يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله، فقال : إن شأن ربنا لعظيم، وإن من ورائي مسيرة خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضاً لولا ذلك لأحرقت من نار جهنم، والعياذ بالله منها.
وذكر أهل الحكمة أن مجموع ما عرف في الأقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وسبعون جبلاً منها ما طوله عشرون فرسخاً.
ومنها : مائة فرسخ إلى ألف فرسخ.
وفي "زهرة الرياض" : أول جبل
٢٣٢
نصب على وجه الأرض أبو قيس وعدد الجبال ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلاً سوى التلول.
وجعل الله في الجبال خصائص منها : أن تجر البرودة إلى نفسها، وجعلها خزائن المياه والثلوج تدفعها بأمر الخالق إلى الخلق بالمقادير لكل أرض قدر معلوم على حسب استعدادها.
ومنها : خلق الأودية لمنافع العباد وأودع فيها أنواع المعادن من الذهب والفضة والحديد، وأنواع الجواهر، وهي خزانة الله وحصنه، ودليل على قدرته وكمال حكمته، وهي سجن الوحوش والسباع ليلاً وشرف الله الجبال بعرض الأمانة عليها.
وفيها التسبيح والخوف والخشية وجعلها كراسي أنبيائه عليهم السلام كأحد لنبينا والطور لموسى وسرنديب لآدم والجودي لنوح صلوات الله على نبينا وعليهم أجمعين.
وكفى شرفاً بذلك وأنها بمنزلة الرجال في الأكوان.
يقال للرجل الكامل : جبل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥


الصفحة التالية
Icon