﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِى الارْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًا أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةًا وَكَانُوا بآياتنا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ * وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَـاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ لتقلعهم من أصولهم ؛ أي : باردة تهلك وتحرق بشدة بردها كإحراق النار بحرها من الصر، وهو البرد الذي
٢٤٣
يصر ؛ أي : يجمع ويقبض ؛ أي : ريحاً عاصفة تصر صراً ؛ أي : تصوت في هبوبها من الصرير.
وبالفارسية :(باد صرصر بآ واز مهيب).
قيل : إنها الدبور مقابل القبول ؛ أي : الصبا التي تهب من مطلع الشمس، فيكون الدبور ما تهب من مغربها، والصرصر تكرير لبناء الصر.
قال الراغب : الصر الشد، والصرة ما يعقد فيه الدراهم.
والصرصر : لفظه من الصر.
وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقيد إذ هي من الفعليات ؛ لأنها كشيفة من شأنها تفريق المتشاكلات وجميع المختلفات.
﴿فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ﴾ : جمع نحسة من نحس نحساً نقيض سعد سعداً كلاهما على وزن علم والنحسان زحل والمريخ.
وكذا رخر شباط وآخر شوال أيضاً من الأربعاء إلى الأربعاء.
وذلك سبع ليال وثمانية أيام، يعني كانت الريح من صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال إلى غروب الأربعاء الآخر، وهو آخر الشهر، ويقال لها : أيام الحسوم، وسيأتي تفصيلها في سورة الحاقة، وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وقال الضحاك : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ودامت الرياح عليهم من غير مطر.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه إذا أراد الله بقوم خيراً أرسل عليهم المطر وحبس عنهم كثرة الرياح، وإذا أراد بقوم شراً حبس عنهم المطر وسلط عليهم كثرة الرياح".
والمعنى : في أيام منحوسات مشؤمات ليس فيها شيء من الخير، فنحوستها أن الله تعالى أدام تلك الرياح فيها على وتيرة وحالة واحدة بلا فتور، وأهلك القوم بها لا كما يزعم المنجمون من أن بعض الأيام قد يكون في حدّ ذاته نحساً وبعضها سعداً استدلالاً بهذه الآية ؛ لأن أجزاء الزمان متساوية في حدّ ذاتها، ولا تمايز بينها إلا بحسب تمايز ما وقع فيها من الطاعات والمعاصي، فيوم الجمعة سعد بالنسبة إلى المطيع نحس بالنسبة إلى العاصي، وإن كان سعداً في حدّ نفسه.
قال رجل عند الأصمعي فسد الزمان، فقال الأصمعي :()
إن الجديدين في طول اختلافهما
لا يفسدان ولكن يفسد الناس
وقيل :()
نذم زماننا والعيب فينا
ولو نطق الزمان إذا هجانا
وقال الشيخ صدر الدين القنوي قدس سره : الملابس إذا فصلت وخيطت في وقت رديء اتصل بها خواص رديئة.
انتهى.
يقول الفقير : لعله أراد عروض الرداءة لها بسبب من الأسباب كيوم الأربعاء بما وقع فيه من العذاب ؛ لأن الله خلقه رديئاً، فلا تنافي بين كلامه وبين ما سبق.
والظاهر أن الله تعالى خلق أجزاء الزمان والمكان على تفاوت.
وكذا سائر الموجودات كما لا يخفى.
﴿لِّنُذِيقَهُمْ﴾ بالريح العقيم.
﴿عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾، إضافة العذاب إلى الخزي من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة على طريق التوصيف بالمصدر للمبالغة ؛ أي : العذاب الخزي ؛ أي : الذليل المهان على أن الذليل في الحقيقة أهل العذاب لا العذاب نفسه.
﴿وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ﴾ :(وهر آينه عذاب آن سرى ا).
﴿أَخْزَى﴾ ؛ أي : أذل وأزيد خزياً من عذاب الدنيا، وبالفارسية :(سختراست ازروى رسوايى).
وهو في الحقيقة أيضاً : وقد وصف به العذاب على الإسناد المجازي لحصول الخزي بسببه.
﴿وَهُمْ لا يُنصَرُونَ﴾ بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه لا في الدنيا ولا في الآخرة ؛ لأنهم لم ينصروا الله ودينه، وما المؤمنون ؛ فإنهم وإن كانوا
٢٤٤
ضعفاء فقد نصرهم الله ؛ لأنهم نصروا الله ودينه، فعجباً من القوة في جانب الضعف وعجباً من الضعف في جانب القوة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وفي الحديث : إنكم تنصرون بضعفائكم" ؛ أي : الضعفاء الداعين لكم بالنصرة.
وقال خالد ابن برمك : اتقوا مجانيق الضعفاء ؛ أي : دعواتهم.


الصفحة التالية
Icon