قال الحافظ :(جون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست.
آن به كه كار خودبعنايت رها كنند).
﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَـاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ﴾ : الهون : مصدر بمعنى الهوان والذلة.
يقال : هان هوناً وهواناً ذل كما في "القاموس" : وصف به العذاب للمبالغة ؛ أي : أخذتهم داهية العذاب المهين ؛ كأنه عين الهوان.
وبالفارسية :(صاعقة عذاب خوار كننده يعني صيحة جبرائيل ايشانرا هلاك كرده فالصاعقة هي العذاب الهون شبه بها لشدته)، وهوله كما بين فيما سبق.
وقيل : صاعقة من السماء ؛ أي : نار، فأهلكتهم وأحرقتهم، فيكون من إضافة النوع إلى الجنس، بتقدير من أي من جنس العذاب المهين الذي بلغ في إفادة الهوان للمعذب إلى حيث كان عين الهوان.
﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ من اختيار الضلالة والكفر والمعصية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
قال الكاشفي :(بسبب آنجه بودند كسب كردند از).
تكذيب صالح وعقر ناقة.
يقول الفقير : أما حكمة الابتلاء بالصيحة فلعدم استماعهم الحق من لسان صالح عليه السلام مع أن الاستحباب المذكور صفة الباطن وبالصيحة تنشق المرارة، فيفسد الداخل والخارج، وأما بالنار فلإحراقهم باطن ولد الناقة بعقر أمه، فابتلوا بالإحراق الظاهر ألا ترى أن يعقوب ذبح جدياً بين يدي أمه، فابتلي بفراق يوسف واحتراقه على ما قاله البعض.
﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ من تلك الصاعقة وكانوا مائة وعشرة أنفس.
﴿وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ : الشرك أو عقر الناقة وفيه إشارة إلى التنجية من عذاب النار، وهي أنواع، فمنهم من نجاهم من غير أن رأوا النار عبروا القنطرة، ولم يعلموا، وقوم كالبرق الخاطف، وهم الأعلام وقوم كالراكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردهم الملائكة على الصراط فبعد وبعد وقوم بعد ما دخلوا النار، فمنهم من تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حقويه، فإذا بلغت القلب.
قال الحق تعالى للنار : لا تحرقي قلبه، فإنه محترق فيّ، وقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا وصاروا حمماً.
الامتحاش سوخته شدن.
والحمم جمع حممة بالضم، وهو الفحم كما في "القاموس".
وفي الحديث : يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول تعالى : أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحياة فينبتون، كما تنبت الحبة في جانب السيل وأشارت الآية إلى أن سبب النجاة من النار هو الإيمان والتقوى، وهما من صفات القلب، فإذا هرب العبد من
٢٤٦
مقام النفس ودخل في مقام القلب، كان آمناً سالماً من أنواع الألم في الدنيا والآخرة، وإلا كان معذباً.
حكي : أن أبا يزيد البسطامي قدس سره : دخل الحمام يوماً فأصابه الحر، فصاح فسمع نداء من الزوايا الأربع : يا أبا يزيد ما لم تسلط عليك نار الدنيا لم تذكرنا، ولم تستغث بنا، وفيه إشارة إلى أن المقبول هو التدارك وقت الاختيار والإيمان وقت التكليف، وإلا خرج الأمر من اليد ولا تفيد الصيحة وقت الوقوع في العذاب.
(توبيش از عقوبت در عفو كوب.
كه سودى ندارد فغان زبر جوب).
والكافر تنزل عليه ملائكة العذاب والمؤمن تصافحه الملائكة.
قال الله تعالى : اسمع يا موسى ما أقول فالحق ما أقول أنه من تكبر على مسكين حشرته يوم القيامة على صورة الذر ومن تواضع لعالم رفعته في الدنيا والآخرة ومن رضي بهتك ستر مسلم هتكت ستره سبعين مرة، ومن أهان مسلماً، فقد بارزني بالمحاربة ومن آمن بي صافحته الملائكة في الدنيا والآخرة جهراً اللهم وفقنا لما ترضى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ﴾ الحشر إخراج الجماعة من مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب وغيرها، ولا يقال : إلا في الجماعة، ويوم منصوب باذكر المقدر.
والمعنى : واذكر يا محمد لقومك يوم يحشر أعداء الله المذكورون من عاد وثمود لا الأعداء من الأولين والآخرين بمعنى أنهم يجمعون إلى النار، كقوله : قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم لما سيأتي من قوله تعالى في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس والتعبير بالأداء للذم والإيذان بعلة ما يحيق بهم من فنون العذاب.
﴿إِلَى النَّارِ﴾ إلى موقف الحساب إذ هناك تتحقق الشهادة الآتية لا بعد تمام السؤال والجواب وسوقهم إلى النار والتعبير عنه بالنار إما للإيذان بأنها عاقبة حشرهم، وأنهم على شرف دخولها، وإما لأن حسابهم يكون على شفيرها.