الثقفي عبد يا ليل والقرشيان ختناه ربيعة وصفوان بن أمية، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول : قال الآخر يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا، فذكرت ذلك للنبي عليه السلام، فأنزل الله تعالى وما كنتم تستترون إلخ.
فالحكم المحكي حينئذٍ يكون خاصاً بمن كان على ذلك الاعتقاد من الكفرة، ولعل الأنسب أن يراد بالظن معنى مجازي يعم المعنى الحقيقي، وما جرى مجراه من الأعمال المنبئة عنه كما في قوله تعالى يحسب أن ماله أخلده، فإن معناه يعمل عمل من يظن أن ماله يبقيه حياً، ليعم ما حكي من الحال جميع أصناف الكفرة، فتدبر كذا في "الإرشاد".
﴿وَذَالِكُمْ﴾ : الظن أيها الأعداء، وهو مبتدأ خبره قوله :﴿ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ﴾، وإلا فالله تعالى عالم بجميع الكليات والجزئيات ؛ لأنه متجل بأسمائه وصفاته في جميع الموجودات، وهو خالق الأعمال وسائر الأعراض والجواهر والمطلع على البواطن والسرائر، كما على الظواهر والتغاير بين العنوانين أمر جلي لظهور إن ظن عدم علم الله غير الظن بالرب، فيصح أن يكون خبراً له.
﴿أَرْدَاـاكُمْ﴾ : خبر آخر له ؛ أي : أهلككم وطرحكم في النار.
﴿فَأَصْبَحْتُم﴾ ؛ أي : صرتم بسبب ذلك الظن السوء الذي أهلككم.
﴿مِّنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ :(اززيا نكاران).
إذ صار ما منحوا السعادة الدارين من القوة العاقلة، والأعضاء سبباً لشقاء النشأتين إما كونها سبباً لشقاء الآخرة، فظاهر، وإما كونها سبباً لشقاء الدنيا، فمن حيث أنها كانت مفضية في حقهم بسوء اختيارهم إلى الجهل والمركب بالله سبحانه وصفاته واتباع الشهوات، وارتكاب المعاصي.
وفي "التأويلات النجمية" : من الخاسرين الذين خسروا بذر أرواحهم في أرض أجسادهم، بأن لم يصل إليه ماء الإيمان والعمل الصالح، ففسد حتى صاروا بوصف الأجساد صماً بكماً عمياً، فهم لا يعقلون.
وفي "بحر العلوم" : من الخاسرين ؛ أي : الكاملين في الخسران حيث ظننتم بالله ظن السوء وسوء الظن بالله من أكبر الكبائر كحب الدنيا.
وقال الحسن رحمه الله : إن قوماً ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا، وما لهم حسنة يقول أحدهم : إني أحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل.
وتلا قوله تعالى وذلكم ظنكم الآية، فالظن اثنان ظن ينجي، وهو ما قارن حسن الاعتقاد، وصالح العمل وظن يردي، وهو ما لم يقارن ذلك، فلا بد من السعي :(درين دركاه سعى هيجكس ضايع نميكر دد.
بقدر آنجة فرمان ميبرى فرمان روا كردى).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
﴿وَذَالِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاـاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَـاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ * وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا﴾.
﴿فَإِن يَصْبِرُوا﴾ في النار على العذاب وأمسكوا عن الاستغاثة والجزع مما هم فيه انتظاراً للفرج زاعمين أن الصبر مفتاح الفرج.
﴿فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾ ؛ أي : محل ثواء وإقامة أبدت لهم بحيث لا خلاص لهم منها، فلا ينفعهم صبرهم والالتفات إلى الغيبة للإشعار بأبعدهم عن حيز الخطاب والإبقاء في غاية دركات النار.
﴿وَإِن يَسْتَعْتِبُوا﴾ ؛ أي : يسألوا العتبى وهو الرجوع إلى ما يحبونه جزعاً مما هم فيه.
﴿فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ ؛ أي : المجابين إلى العتبى، فيكون صبرهم وجزعهم سواء في أن شيئاً منهما لا يؤدي إلى الخلاص ونظيره قوله تعالى :﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ (إبراهيم : ٢١).
قال في "تاج المصادر" : الإعتاب :(خشنود كردن ولاستعتاب از كسى حق خواستن كه تراخشنود كندو آشتى خواستن).
وفي "القاموس" : العتبى الرضى واستعتبه أعطاه العتبى كأعتبه وطلب إليه العتبى ضد.
وفي "المفردات" : أعتبته : أزلت عنه عتبه نحو :(اشكيته).
٢٥٠
ومنه : فما هم من المعتبين.
والاستعتاب أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه، فيعتب.
والعتب : الشدة والأمر الكريه والغلظة التي يجدها الإنسان في نفسه على غيره.
﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ﴾ : التقييض : تقدير (كردن وسبب ساختن) ؛ أي : قدرنا وقرنا للكفرة في الدنيا.
﴿قُرَنَآءَ﴾ : جمع قرين ؛ أي : أخداناً من شياطين الإنس والجن وأصدقاء يستولون عليه استيلاء القيض على البيض، وهو القشر الأعلى، وفيه حجة على القدرية، فإن هذا على التخلية بينهم وبين التوفيق لأجله صاروا قرناءهم، وهم لا يقولون بموجب الآية :﴿فَزَيَّنُوا لَهُم﴾ ؛ أي : قرناؤهم ﴿مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من أمور الدنيا واتباع الشهوات.
﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ من أمور الآخرة حيث أروهم أن لا بعث ولا حساب ولا مكروه قط جعل أمر الدنيا بين أيديهم، كما يقال : قدمت المائدة بين أيديهم والآخرة، لما كانت تأتيهم بعد هذا جعلت خلفهم، كما يقال لمن يجيء بعد الشخش أنه خلفه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥


الصفحة التالية
Icon