وهذا هو الذي تقتضيه ملاحظة الترتيب الوجودي.
وقيل : ما بين أيديهم الآخرة ؛ لأنها قدامهم، وهم متوجهون إليها، وما خلفهم الدنيا ؛ لأنهم يتركونها خلفهم.
وفي "عرائس البيان" زينة النفس الشهوات والشياطين التسويف والإمهال.
وهذا ما بين أيديهم وما خلفهم.
قال الجنيد : لا تألف النفس الحق أبداً.
وقال ابن عطاء : النفس قرين الشيطان، وإلفه ومتبعه فيما يشير إليه مفارق للحق مخالف له لا يألف الحق ولا يتبعه.
قال الله تعالى :﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من طول الأمل وما خلفهم من نسيان الذنوب.
(در سر اين غافلان طول امل دانى كه جيست آشيان كردست مارى دركبو ترخانة).
﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ ؛ أي : ثبت، وتقرر عليهم كلمة العذاب وتحقيق موجبها ومصداقها، وهي قوله :﴿لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (ص : ٨٥) ونحوه :﴿فِى أُمَمٍ﴾ : حال من الضمير المجرور ؛ أي : كائنين في جملة أمم، وقيل : في بمعنى مع هذا كما ترى صريح في أن المراد بأعداء الله فيما سبق المعهودون من عاد وثمود لا الكفار من الأولين والآخرين، كما قيل :﴿قَدْ خَلَتْ﴾ : صفة الأمم ؛ أي : مضت ﴿مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِ﴾ على الكفر والعصيان كدأب هؤلاء الكفار.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا خَـاسِرِينَ﴾ : تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير للأولين والآخرين.
(زنقد معرفت امروز مفلس.
زسود آخرت فردا تهى دست).
وفي "كشف الأسرار" : إذا أراد الله بعبد خيراً قيض له قرناء خير يعنيونه على الطاعة ويدعونه إليها، وإذا أراد الله بعبد سوء قيض له أخدان سوء يحملونه على المخالفات، ويدعونه إليها، ومن ذلك الشيطان، فإنه مسلط على الإنسان بالوسوسة، وشر من ذلك النفس الأمارة بالسوء تدعو اليوم إلى ما فيه هلاكها وهلاك العبد وتشهد غداً عليه بما دعته إليه وأوحى إلى داود عليه السلام، عاد نفسك يا داود، فقد عزمت على معاداتك.
ولهذا قال عليه السلام :"رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر".
في الخبر :"من مقت نفسه في ذات الله، أمنه الله من عذاب يوم القيامة" قير أبو علي دقاق :(را قدس سره برسيد ندكه خويشين راجه كونه بينى كفت جنان مى بينم كه اكر نبجاه ساله عمر مرا بر طبقى نهندو كردهفت آسمان وهفت زمين بكردانند مرا از هيج ملك مقرب درآسان شرم نبايد داشت واز هيج آفريده در زمين حلالى نبايد خواست اى مرد بدين صفت كه شنيدى بوقت نزع كوزة آب بيش وى
٢٥١
داشتند كفتند در حرارت جان داد جكر را تبريدى بده هنكام آن نيست كه اين دشمن اصلى را واين نفس ناكسى را شربتى سازم نبايدكه جون قوت يابد دمار از من بر آرد.
نفس ازدرهاست اوكى مرده است.
ارغم بى آلتى افسر ده است.
كربيابد آلتى فرعون او.
كه بامر او همى رفعت آب جو.
آنكه او بنياد فرعونى كند.
راه صد موسى وصد هارون زند).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وإذا كانت النفس بهذه الشقاوة والخسارة، فلا بد م إصلاحها وتزكيتها لئلا يحق عليها القول، وتدخل النار مع الداخلين وأصل الخسارة إفساد الاستعداد الفطري كإفساد بعض الأسباب البيضة، فإنها إذا فسدت لم ينتفع بها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الرابحين لا من الخاسرين، وأن يكون عوناً لنا على النفس وإبليس وسائر الشياطين.
﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِا إِنَّهُمْ كَانُوا خَـاسِرِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَـاذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ * فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَالِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُا لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِا جَزَآءَا بِمَا كَانُوا بآياتنا يَجْحَدُونَ﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من رؤساء المشركين لأعقابهم وأشقيائهم، أو قال بعضهم لبعض.
﴿لا تَسْمَعُوا﴾ :(مشنويد وكوس منهيد) ﴿لِهَـاذَا الْقُرْءَانِ﴾ لسماعه.
﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ : اللغو من الكلام ما لا يعتد به، وهو الذي لاعن روية وفكر، فيجري مجرى اللغاء، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور ؛ أي : ائتوا فيه بالباطل من الكلام الذي لا طائل تحته وعارضوه بالخرافات، وهي الهذيان.
والأحاديث التي لا أصل لها مثل قصة رستم واسفنديار وبإنشاء الأرجاز والأشعار، وبالتصدية والمكاء ؛ أي : التصفيق والصفير، وارفعوا أصواتكم بها لتشوشوا على القارىء، فيختلط عليه ما يقرأه.