وفي "التأويلات النجمية" : تشير الآية إلى يوم الميثاق لما خوطبوا بقوله : ألست بربكم.
قالوا : بلى ؛ أي : ربنا الله، وهم الذريات المستخرجة من ظهر آدم عليه السلام أقروا بربوبيته، ثم استقاموا على إقرارهم بالربوبية ثابتين على أقدام العبودية لما أخرجوا إلى عالم الصورة، ولهذا ذكر بلفظ، ثم لأنه للتراخي، فأقروا في
٢٥٤
عالم الأرواح، ثم استقاموا في عالم الأشباح، وهم المؤمنون بخلاف المنافقين والكافرين ؛ فإنهم أقروا، ولم يستقيموا على ذلك، فاستقامة العوام في الظاهر بالأوامر والنواهي.
وفي الباطن بالإيمان والتصديق، واستقامة الخواص في الظاهر بالتجريد عن الدنيا وترك زينتها وشهواتها.
وفي الباطن بالتفريد عن نعيم الجنان شوقاً إلى لقاء الرحمن، وطلب العرفان واستقامة الأخص في الظاهر برعاية حقوق المتابعة على وفق المبايعة بتسليم النفس والمال.
وفي الباطن بالتوحيد في استهلاك الناسوتية في اللاهوتية ليستقيم بالله مع الله فانياً عن الأنانية باقياً بالهوية بلا أرب من المحبوب مكتفياً عن عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام فنائه في وجوده.
﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة﴾ من جهته تعالى يمدونهم فيما يعرض لهم من الأمورالدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم، ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإلهام كما أن الكفرة يمدهم ما قيض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح.
وكذا تتنزل عند الموت بالبشرى.
وفي القبر وعند البعث إذا قاموا من قبورهم ﴿إِنَّ﴾ مفسرة بمعنى ؛ أي : أو مخففة من الثقيلة.
والأصل بأنه والهاء ضمير الشأن ؛ أي : يتنزلون ملتبسين بهذه البشارة، وهي ﴿أَلا تَخَافُوا﴾ ما تقدمون عليه من أمر الآخرة، فلا ترون مكروهاً ؛ فإن الخوف غم يلحق لتوقع المكروه.
﴿وَلا تَحْزَنُوا﴾ على ما خلفتم من أهل وولد ؛ فإنه تعالى يخلفكم عليهم بخير ويعطيكم في الجنة أكثر من ذلك وأحسن، ويجمع بينكم وبين أهاليكم وأولادكم المسلمين في الجنة، فإن الحزن غم يحلق من فوات نافع، أو حصول ضار.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وفي "التأويلات النجمية" : الخوف إنما يكون في المستقبل من الوقت، وهو بحلول مكروه، أو فوات محبوب، والملائكة يبشرونهم بأن كل مطلوب لهم سيكون، وكل محذور لهم لا يكون، والحزن من حزونة الوقت والذي هو راضضٍ بجميع ما يجري مستسلم للأحكام الأزلية، فلا حزونة في عيشه، بل من يكون قائماً بالله وهائماً في الله دائماً مع الله لا يدركه الخوف والحزن والملائكة يبشرونهم أن لا تخافوا ولا تحزنوا على فوات العناية في السابقة.
﴿وَأَبْشِرُوا﴾ ؛ أي : سروا.
وبالفارسية :(شاد شويد فان الا بشار شادشدن).
﴿بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ في الدنيا على ألسنة الرسل هذا من بشارتهم في أحد المواطن الثلاثة.
وعن ثابت : بلغنا إذا انشقت الأرض يوم القيامة ينظر المؤمن إلى حافظيه قائمين على رأسه يقولان له : لا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة الموعودة وإنك سترى اليوم أموراً لن ترى مثلها، فلا تهولنك، فإنما يراد بها غيرك.
وفي "التأويلات النجمية" : وأبشروا بجنة الوصلة، فإن الوعد صار نقداً، فما بقي الوعد والوعيد.
وما هو إلا عيد في القيد فأوعد الله للعوام من جميع الثواب للخواص من حسن المآب نقد لأخص الخواص من أولي الألباب (ع) :(جنت نقدست انيجا حالت ذوق وحضور).
ويقال : لا تخافوا من عزل الولاية ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الجناية وأبشروا بحسن العناية في البداية لا تحافظوا فطالما كنتم من الخائفين، ولا تحزنوا فقد كنتم من العارقين وأبشروا بالجنة فلنعم أجر العاملين.
(فردا هر جخ شرايعست همه را قلم نسخ در كشند نماز وروزه حج وجهاد روا باشدكه ببايان رسد ومنسوخ شود اما عقد محبت وعهد معرفت هر كز نشايدكه منسوخ شود جون در بهشت روى هر روزى كه برتو بكزرد از شناخت حق سبحانه وتعالى برتو عالمى كشاده شودكه بيش ازان نبوده
٢٥٥
اين كاريست كه هركز بسرنيايد ومباداكه بسر آيد.
تامن بريم بيشه اينست.
آرام وقرار وغمكسارم انيست.
روزم اينست وروز كارم اينست.
جوينده صيدم وشكارم اينست).
قال البقلي قدس سره : عجبت ممن استقام مع الله في مشاهدته وإدراك جماله كيف يطيق الملائكة أن يبشروه أين الملك والفلك بين الحبيب والمحب، وليس وراء بشارة الحق بشارة، فإن بشارة الحق سمعوها قبل بشارة الملائكة بقوله :﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (يونس : ٦٢) ليس لهم خوف القطيعة ولا حزن الحجاب، وهم في مشاهدة الجبار.
وقول الملائكة ها هنا معهم تشريف لهم ؛ لأنهم يحتاجون إلى مخاطبة القوم، وهم أحباؤنا في نسب المعرفة وخدامنا من حيث الحقيقة ألا ترى كيف سجدوا لأبينا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥