﴿نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾.
إلخ.
من بشاراتهم في الدنيا ؛ أي : أعوانكم في أموركم نلهمكم الحق ونرشدكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم بدل ما كانت الشياطين تفعل بالفكرة.
ولعل ذلك عبارة عما يخطر ببال المؤمنين المستمرين على الطاعات من أن ذلك بتوفيق الله وتأييده لهم بواسطة الملائكة.
قال جعفر رضي الله عنه : من لاحظ في أعماله الثواب والأغراض كانت الملائكة أولياءه، ومن عملها على مشاهدته تعالى، فهو وليه ؛ لأنه يقول :﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ (البقرة : ٢٥٧).
﴿وَفِى الاخِرَةِ﴾ : نمدكم بالشفاعة ونتلقاكم بالكرامة حين يقع بين الكفرة وقرنائهم ما يقع من التعادي والتخاصم.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى ولاية الرحمة للعوام وولاية النصرة للخواص وولاية المحبة لأخص الخواص فبولاية الرحمة للعوام في الحياة الدنيا يوفقهم لإقامة الشريعة.
وفي الآخرة يجازيهم بالجنة وبولاية النصرة للخواص في الحياة الدنيا يسلطهم على أعدى عدوهم، وهو نفسهم الأمارة بالسوء ليجعلوها مزكاة من اخلاقها الذميمة وأوصافها الدنيئة، وفي الآخرة بجذبة ارجعي إلى ربك، وبولاية المحبة لأخص الخواص في الحياة الدنيا يفتح عليهم أبواب المشاهدات والمكاشفات.
وفي الآخرة يجعلهم من أهل القربات والمعاينات.
ومن ولاية الله تعالى عفو الزلل، فإن الزلل لا يزاحم الأزل.
أبو يزيد بسطامي قدس سره :(در راهى ميرفت او از جمعى بكوش رى رسيد خواست كه آن حال باز داند فرا رسيدكه كودكى را ديد در كل سياه افتاده وخلقى بنظاره ايستاده ناكاه مادر آن كودك از كوشه در دويد وخودرا درميان كل افكند وآن كودك رابر كرفت وبرفت ابو يزيد جون آن بديد وقتش خوش كفت نعرة بزد ايستاده وميكفت شفقت بيامد آلايش ببرد ومحبت بيامد معصيات ببرد وعنايت بيامد جنايت) ببرد العذر عندي لك مبسوط والذنب على مثلك محطوط.
قال الحافظ :(ببوش دامن عفوى بذلت من مست، كه آب روى شريعت بدين قدر نرود).
﴿وَلَكُمْ﴾ لا لغيركم من الأعداء.
﴿فِيهَا﴾ ؛ أي : في الآخرة.
﴿مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ﴾ من فنون اللذائذ.
﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ ما تتمنون.
وبالفارسية :(هرجه شما آرزو خواهيد).
افتعال من الدعاء بمعنى الطلب، وهو أعم من الأول إذ لا يلزم أن يكون كل مطلوب مشتهى كالفضائل العلمية، وإن كان الأول أعم أيضاً من وجه بحسب حال الدنيا، فالمريض لا يزيد ما يشتهيه ويضر مرضه إلا أن يقال التمني أعم من الإرادة وعدم الاكتفاء بعطف ما تدعون على ما تشتهي بأن يقول، وما تدعون للإشباع في البشارة
٢٥٦
والإيذان باستقلال كل منهما.
﴿نُزُلا﴾ رزقاً كائناً.
﴿مِّنْ غَفُورٍ﴾ للذنوب العظام مبدل للسيئات بالحسنات.
﴿رَّحِيمٍ﴾ بالمؤمنين من أهل الطاعات بزيادة الدرجات والقربات قوله : نزلا حال مما تدعون ؛ أي : من الموصول، أو من ضميره المحذوف ؛ أي : ما تدعونه مفيدة، لكون ما يتمنونه بالنسبة إلى ما يعطون من عظائم الأمور كالنزل، وهو ما يهيأ للنزيل ؛ أي : الضيف من الرزق ؛ كأنه قيل : وثبت لكم فيها الذي تدعونه حال كونه كالنزل للضيف، وأما أصل كرامتكم، فمما لا يخطر ببالكم فضلاً عن الاشتهاء، أو التمني.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وفي "التأويلات النجمية" نزلاً ؛ أي : فضلاً وعطاء وتقدمة لما سيدوم إلى الأزل من فنون الأعطاف وأصناف الألطاف.
وذلك لأن عطاء الله تعالى يتجدد في كل آن خصوصاً لأهل الاستقامة من أكامل الإنسان ويظهر في كل وقت وموطن ما لم يظهر قبله وفي غيره ويكون ما في الماضي كالنزل لما يظهر في الحال، ومن هنا قالوا : ما ازداد القوم شرباً إلا ازدادوا عطشاً.
وذلك لأنه لا نهاية للسير إلى الله في الدنيا والآخرة.
وفي المثنوي :
هركه جز ما هى زآبش سيرشد
هركه بى روزيست روزش ديرشد
وفيه إشارة إلى أن بعض الناس لا نصيب له من العشق والذوق والتجلي ويومه ينقضي بالهموم وتطول حسرته، ولذلك كان يوم القيامة خمسين ألف سنة.
قال ابن الفارض في آخر القصيدة الخمرية : على نفسه قليبك من ضاع عمره.
وليس له منها نصيب ولا سهم.
قال الصائب :(ازين جه سودكه دركلستان وطن دارم.
مراكه عمر جونر كس بخواب ميكذرد).
ومن الناس من له نصيب من هذا الأمر لكن لا على وجه الكمال، ومنهم من لم يحصل له الري أصلاً، وهو حال الكمال.
حكي أن يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه : كتب إلى أبي يزيد البسطامي قدس سره سكرت من كثرة ما شربت من كأس حبه فكتب إليه أبو يزيد :()
شربت الحب كأساً بعد كأس
فما نفد الشراب ولا رويت
أشار إلى أن حصول الري إنما هو للضعفاء، وأما الأقوياء، فإنهم يقولون : هل من مزيد ولو شربوا سبعة أبحر جعلنا الله، وإياك هكذا من فضله.