﴿نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَـالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُا ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَه عَدَاوَةٌ كَأَنَّه وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّـاـاهَآ إِلا الَّذِينَ﴾.
﴿وَمِنْ﴾ استفهام.
والمعنى بالفارسية :(وكيست).
﴿أَحْسَنُ﴾ نيكوتر ﴿قَوْلا﴾ :(از جهت سخن).
﴿مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ﴾ ؛ أي : إلى توحيده وطاعته.
﴿وَعَمِلَ صَـالِحًا﴾ فيما بينه وبين ربه.
﴿وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ابتهاجاً بأنه منهم، أو اتخاذاً للإسلام ديناً ونحلة إذ لا يقبل طاعة بغير دين الإسلام من قولهم هذا قول فلان ؛ أي : مذهبه لا أنه تكلم بذلك.
وفيه رد على من يقول : أنا مسلم إن شاء الله، فإنه تعالى قال مطلقاً غير مقيد بشرط إن شاء الله.
وقال علماء الكلام : إن قاله للشك، فهو كفر لا محالة، وإن كان للتأدب مع الله وإحالة الأمور إلى مشيئة الله أو للشك في العاقبة والمآل لا في الآن.
والحال وللتبرك بذكر الله، أو التبري من تزكية نفسه والإعجاب بحاله، فجائز، لكن الأولى تركه لما أنه يوهم الشك وحكم الآية عام لكل من جمع ما فيها من الخصال الحميدة التي هي الدعوة والعمل والقول، وإن نزلت في رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، أو في أصحابه رضي الله عنهم، أو في المؤذنين ؛ فإنهم يدعون الناس إلى الصلاة، فإن قلت السورة بكاملها مكية بلا خلاف الآذان إنما شرع بالمدينة قلت :
٢٥٧
يجعل من باب ما تأخر حكمه عن نزوله، وكم من القرآن منه، وإليه ذهب بعض الحفاظ كابن حجر وغيره.
اعلم أن للدعوة مراتب، الأولى : دعوة "الأنبياء" عليهم السلام، فإنهم يدعون إلى الله بالمعجزات والبراهين وبالسيف.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وفي "التأويلات النجمية" : تشير الآية إلى أن أحسن قول قاله الأنبياء والأولياء قولهم بدعوة الخلق إلى الله، وكان عليه السلام مخصوصاً بهذه الدعوة كما قال تعالى : يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} (الأحزاب : ٤٥ ـ ـ ٤٦)، وهو أن يكتفي بالله من الله لم يطلب منه غيره :
خلاف طريقت بود كاوليا
تمنا كنند از خدا جز خدا
وقال وعمل صالحاً ؛ أي : كما يدعو الخلق إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه يعني : سلكوا طريق الله إلى أن وصلوا إلى الله وصولاً بلا اتصال ولا انفصال فبسلوكهم ومناراتهم عرفوا الطريق إلى الله، ثم دعوا بعد ما عرفوا الطريق إليه الخلق إلى الله.
﴿وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ لحكمه الراضين بقضائه وتقديره.
والمرتبة الثانية : دعوة العلماء ؛ فإنهم يدعون إلى الله تعالى بالحجج والبراهين فقط.
قال الكاشفي : إمام أبو الليث :(فرموده كه مراد يعنى از آيت مذكورة علما اندكه معالم دين بمردم آموزند وعمل صالح ايشان آنست كه هرجه دانند بدان كار كنند بامحتسبا نندكه قواعد امر معروف ونهى منكررا تمهيد دهند وعمل صالح ايشان صبر وتحمل است بر آنجه بايشان رسد از مكاره).
ثم إن العلماء ثلاثة أقسام : عالم بالله غير عالم بأمر الله وعالم بأمر الله غير عالم بالله وعالم بالله وبأمر الله.
أما الأول : فهو عبد استولت المعرفة الإلهية على قلبه، فصار مستغرقاً في مشاهدة الجلال وصفات الكبرياء، فلا يتفرغ لتعلم علم الأحكام إلا قدر ما لا بد له.
وأما الثاني : فهم الذين عرفوا الحلال والحرام ودقائق الأحكام، ولكنهم لا يعرفون أسرار جلال الله وجماله.
أما مع الإقرار بأصحاب هذا الشأن، أو بإنكارهم.
والثاني : ليس من عداد العلماء، وأما العالم بالله وبأحكامه، فهم الجامعون لفضائل القسمين الأولين، وهم تارة مع الله بالحب والإرادة وتارة مع الخلق بالشفقة والرحمة، فإذا رجعوا إلى الخلق صاروا معهم كواحد منهم ؛ كأنهم لا يعرفون الله وإذا خلوا مع ربهم صاروا مشتغلين بذكره ؛ كأنهم لا يعرفون الخلق.
وهذا سبيل المرسلين والصديقين، فالعارف يدعو الخلق إلى الله ويذكر لهم شمائل القدم ويعرفهم صفات الحق وجلال ذاته، ويحبب الله في قلوبهم، ثم يقول بعد كماله وتمكينه أنني واحد من المسلمين من تواضعه ولطف حاله :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
از زنك آينة خويش ساده كن
درزير با نظر كن وحج بياده كن
والمرتبة الثالثة : الدعوة بالسيف، وهي للملوك ؛ فإنهم يجاهدون الكفار حتى يدخلون في دين الله وطاعته، فالعلماء خلف الأنبياء في عالم الأرواح والملوك خلف الأنبياء في عالم الأجسام.