والمرتبة الرابعة : دعوة المؤذنين إلى الصلاة، وهي أضعف مراتب الدعوة إلى الله، وذلك أن ذكر كلمات الأذان، وإن كان دعوة إلى الصلاة لكنهم يذكرون تلك الألفاظ الشريفة بحيث لا يحيطون بمعناها، ولا يقصدون الدعوة إلى الله، فإذا لم يلتفتوا إلى مال الوقف وراعوا شرائط الأذان ظاهراً وباطناً وقصدوا بذلك مقصداً صحيحاً، كانوا كغيرهم من أهل الدعوة.
(فضيل رفيده كفت مؤذن بودم روزكار أصحاب رضي الله عنهم عبد الله بن مسعود وعاصم بن هبرة مراكفت جون زبانك نماز فارغ شوى بكو وأنا من المسلمين نبينى كه رب العالمين
٢٥٨
كفت).
وقال :﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾.
وفي الحديث :"الملك في قريش والقضاء للأنصار والأذان للحبشة".
وفيه مدح لبلال الحبشي رضي الله عنه.
وكذا في الآية تعظيم لشأنه خصوصاً ؛ لأنه مؤذن الداعي إلى الله على بصيرة، وهو المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم.
صاحب "عين المعاني" :(آورده كه جون بلال بانك نماز آغاز كردى يهود كفتندى كلاغ ندامى كند وبنماز ميخواند وسخنان بيهوده برزبان ايشان كذشتى اين آيت نازل شد وبر تقديرى كه مؤذنان باشند عمل صالح ايشان آنست درميان اذان واقامن دو ركعت نماز كذا رند).
قال عمر رضي الله عنه : لو كنت مؤذناً ما باليت أن لا أحج ولا أجاهد ولا أعتمر بعد حجة الإسلام.
صاحب "كشف الأسرار" :(فرموده كه حق جل وعلا مؤذنان امت احمد بنج كرامت كرد).
حسن الثناء وكمال العطاء ومقارنة الشهداء ومرافقة الأنبياء والخلاص من دار الشقاء.
(كرامت أول ثناء جميل است وسند خداوند كريم كه در حق مؤذن ميكويد).
ومن أحسن قولاً.
إلخ.
(أحسن بر لفظ مبالغت كفت همجانكه تعظيم قرآنرا كفت الله نزل أحسن الحديث قرآن أحسن الآيات است وبانك نماز احسن الكلمات زيرا درو تكبير وتعظيم وإثبات وحدانيت خداوند أعلى وإثبات نبوت مصطفى).
وفي الخبر :"من كثرت ذنوبه، فليؤذن بالأسحار" عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(كفت يا رصول الله اين وقت سحررا باين معنى جه خاصيت است كفت).
والذي بعث بالحق محمداً أن النصارى إذا ضربت نواقيسها في أديارها فيثقل العرش على مناكب حملة العرش، فيتوقعون المؤذنين من أمتي، فإذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر.
خف العرش على مناكب حملة العرش.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
قال الإمام السيوطي رحمه الله : أول ما حدث التسبيح بالأسحار على المنابر في زمن موسى عليه السلام حين كان بالتيه واستمر بعده إلى أن كان زمن داود عليه السلام وبنى بيت المقدس فرتب فيه عدة يقومون بذلك البيت على الآلات وبغيره بلا آلات من الثلث الأخير من الليل إلى الفجر إلى أن خرب بيت المقدس بعد قتل يحيى عليه السلام.
وقام اليهود على عيسى عليه السلام، فبطل ذلك في جملة ما بطل من شرائع بني إسرائيل.
وأما في هذه الملة المحمدية، فكان ابتداء عمله بمصر.
وسببه أن مسلمة بن مخلد الصحابي رضي الله عنه بني، وهو أمير مصر مناراً بجامع عمرو واعتكف فيه، فسمع أصوات النواقيس عالية، فشكا ذلك إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين، فقال أني أمد الأذان من نصف الليل إلى قرب الفجر ؛ فإنهم لا ينقسون إذا أذنت، ففعل ثم لما كان أحمد بن طولون رتب جماعة نوباً يكبرون ويسبحون ويحمدون ويقولون قصائد زهدية، وجعل لهم أرزاقاً واسعة، ومن ثمة اتخذ الناس قيام المؤذنين في الليل على المنابر، فلما ولي السلطان صلاح الدين بن أيوب أمر المؤذنين في وقت التسبيح أن يعلنوا بذكر العقيدة الأشعرية، فواظب المؤذنون على ذكرها كل ليلة إلى وقتنا هذا، انتهى.
يقول الفقير : آل الأمر في زمننا هذا في بلاد الروم إلى أن السلاطين من ضعف حالهم في الدين صاروا مغلوبين، فانتقل كثير من البلاد الإسلامية إلى أهل الحرب، فجعلوا المساجد كنائس والمنارات مواضع النواقيس، ولما كان الناس على دين ملوكهم صار الأمر في البلاد الباقية في أيدي المسلمين إلى الوهن والهدم، بحيث تخربت بعض المحلات بالكلية مع المساجد
٢٥٩
الواقعة فيها، وتعطل بعضها عن العمار من المسلمين بسبب توطن أهل الذمة فيها، وبقيت المساجد بينهم غريبة، فتعالوا نبك على غربة هذا الدين، وأما كمال العطاء، فما روي أن النبي عليه السلام قال :"المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصيامهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله شيئاً إلا أعطاهم، ولا يشفعون بشيء إلا شفعوا فيه".


الصفحة التالية
Icon