وان زمان معبود نوغايب بود
سوى حق كرراستانه خم شوى
وار هى از اختران محرم شوى
﴿إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ﴾ تعالى لا غيره.
﴿تَعْبُدُونَ﴾ ؛ أي : إن كنتم تعبدون إياه لا تسجدوا لغيره،
٢٦٥
فإن السجود أقصى مراتب العبادة، فلا بد من تخصيصه به تعالى.
ولعل ناساً منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود، فنهوا عن هذه الواسطة، فأمروا أن لا يسجدوا إلا لذي خلق الأشياء، فإن قيل : لم لم يجز أن تكون الشمس قبلة للناس عند سجودهم، قلنا : لأنها جوهر مشرق عظيم الرفعة، لها منافع في صلاح أحوال الخلق، فلوأذن في جعلها قبلة في الصلاة بأن يتوجه إليها، ويركع ويسجد نحوها لربما غلب على بعض الأوهام أن ذلك الركوع والسجود للشمس لابخلاف الأحجار المعينة، فإنها ليس في جعلها قبلة ما يوهم الإلهية، وعن عكرمة قال : إن الشمس إذا غربت دخلت بحراً تحت العرش، فتسبح الله حتى إذا هي أصبحت استعفت ربها من الخروج، فقال الرب : ولم ذلك، والرب أعلم أني إذا خرجت عبدت من دونك، فقال لها الرب : اخرجي فليس عليك من ذلك شيء حسبهم جهنم أبعثها إليهم من ثلاثة عشر ألف ملك يقودونها حتى يدخلوهم فيها.
وفي الحديث :"ليس في أمتي رياء إن راءوا فبالأعمال فأما الإيمان فثابت في قلوبهم أمثال الجبال، وأما الكبر فإن أحدهم إذا وضع جبهتهتعالى ساجداً فقد برىء من الكبر".
﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا﴾ ؛ أي : تعظموا عن امتثال أمرك في ترك السجود لغير الله، وأبوا إلا اتخاذ الواسطة، فذلك لا يقلل عدد من يخلص عبادته.
﴿فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ﴾، فإن الملائكة المقربين عند الله، فهو علة للجزاء المحذوف.
﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ﴾ ينزهونه عن الأنداد وسائر ما لا يليق به.
﴿بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ ؛ أي : دائماً، وفي جميع الأوقات وظهر من هذا التقرير أن تخصيص الملائكة مع وجود غيرهم من العباد المخلصين لكثرتهم.
وأيضاً الشمس والقمر عندهم، فيردون العبادة عنهما غيره بتخصيصها بالله تعالى.
﴿وَهُمْ لا يَسْـاَمُونَ﴾ السآمة الملالة ؛ أي : لا يفترون ولا يملون من التسبيح والعبادة، فإن التسبيح منهم كالتنفس من الناس.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وبالفارسية :(وايشان ملول وسير نمى شوند از كثرت عبادت وبيسارى ستايش وبرستش).
روي : أنملكاً يقال له : حوقبائيل.
له ثمانية عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، فخطر له خاطر.
هل فوق العرش شيء؟، فزاده الله مثلها أجنحة أخرى، فكان له ستة وثلاثون ألف جناح بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، ثم أوحى الله أيها الملك طر فطار مقدار عشرين ألف سنة، فلم ينل رأس قائمة من قوائم العرش، ثم ضاعف الله له في الجناح والقوة، وأمره أن يطير، فطار مقدار ثلاثين ألف سنة، فلم ينل أيضاً، فأوحى الله إليه أيها الملك لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ ساق عرشي، فقال الملك : سبحان ربي الأعلى، فأنزل الله :﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاعْلَى﴾ (الأعلى : ١)، فقال عليه السلام :"اجعلوها في سجودكم".
قال عبد العزيز المكي : في هذه الآية سبحان الذي من عرفه لا يسأم من ذكره سبحان الذي من أنس به استوحش من غيره، سبحان الذي من أحبه أعرض بالكلية عما سواه.
وفي "التأويلات النجمية" : لا تتخذوا ما كشف لكم عند تجلي شمس الروح من المعقولات وأنواع العلوم الدقيقة مقصداً ومعبداً كما اتخذت الفلاسفة، ولا تتخذوا أيضاً ما شهدتم عند تجلي شواهد الخق في قمر القلب من المشاهدات ومكاشفات العلوم الدينية مقصداً ومعبداً، كما اتخذ بعض أرباب السلوك، ووقفوا عند عقبات العرفان والكرامات، فشغلوا بالمعرفة عن المعروف وبالكرامات
٢٦٦
عن المكرم.
واتخذوا المقصود والمعبود حضرة جلال الله الذي خلق ما سواه منازل السائرين به إليه إن كنتم من جملة المحبين الصادقين الذين إياه يعبدون طمعاً في وصاله، والوصول إليه لا من الذي يعبدونه خوفاً من النار وطمعاً في الجنة، فإن استكبر أهل الأهواء والبدع ولا يوفقون للسجود بجميع الوجود، فالذين عند ربك من أرواح الأنبياء والأولياء ينزهونه عن احتياجه إلى سجدة أحد من العالمين، وهم لا يسأمون من التسبيح والتنزيه.
قال الكاشفي :(اين سجدة يازدهم است از سجدات قرآنى وحضرة شيخ أكبر قدس سره الأطهر در فتوحات اين را سجدة احتماد كفت وفرموده كه اكر در آخر آيت اولى سجدة ايشان شرط باشد جه مقارنست).
نقول : إن كنتم إياه تعبدون :(واكر بعد از آيت دوم بسجود دروند سجدة نشاط ومحبت بودجه مقرونست باين كلمات).
وهم لا يسأمون.
والحاصل : أن قوله : تعبدون موضع السجود عند الشافعي ومالك لاقتران الأمر به.
يعني :(تاسجدة مقرن امر باشد).
وعند أبي حنيفة وفي وجه عن الشافعي، وعند أحمد آخر الآية، وهم لا يسأمون ؛ لأنه تمام المعنى، وكل من الأئمة على أصله في السجود، فأبو حنيفة هو واجب ومالك، وهو فضيلة، والشافعي وأحمد هو سنة.


الصفحة التالية
Icon