جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَه بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْـاَمُونَا * وَمِنْ ءَايَـاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الارْضَ خَـاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْا إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَىا إِنَّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءَايَـاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآا أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَـامَةِا اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
﴿مِّنْ ءَايَـاتِهِ﴾ : دلائل قدرته تعالى.
﴿أَنَّكَ﴾ يا محمد أو يا أيها الناظر.
﴿تَرَى الارْضَ﴾ : حال كونها ﴿خَـاشِعَةً﴾ يابسة لا نبات فيها متطامنة يعني :(فرسوده وخشك شده).
مستعار من الخشوع بمعنى التذلل شبه يبس الأرض وخلوها عن الخير والبركة بكون الشخص خاشعاً ذليلاً عارياً لا يؤبه به الدناءة هيئته، فهي استعارة تبعية يابسة جدبة.
﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ﴾ : الاهتزاز : التحرك ؛ أي : تحركت بالنبات يعني :(بخبش درآيدر ستن كياه ازو).
﴿وَرَبَتْ﴾ : وانتفخت ؛ لأن النبت إذا دنا أن يظهر ارتفعت له الأرض، وانتفخت ثم تصدعت عن النبات ؛ أي : انشقت يقال : ربا ربواً ورباً، زاد ونما.
والفرس ربواً انتفخ من عدو أو فزع.
وقال الراغب : وربت ؛ أي : زادت زيادة المتربي.
﴿إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا﴾ بما ذكر بعد موتها والإحياء في الحقيقة إعطاء الحياة، وهي صفة تقتضي الحس والحركة، فالمراد بإحياء الأرض تهييج القوى النامية فيها وإحدات نضارتها بأنواع النباتات.
﴿فَانظُرْ إِلَى﴾ بالبعث.
﴿أَنَّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ﴾ من الأشياء التي من جملتها الإحياء.
﴿قَدِيرٌ﴾ مبالغ في القدرة وقد وعد بذلك من أن يفي به والحكمة في الإحياء هو المجازاة والمكافأة.
وفي الآية إشارة إلى إحياء النفوس وإحياء القلوب.
أما الأول فلأن أرض البشرية قد تصير يابسة عند فقدان الدواعي والأسباب، فإذا نزل عليها ماء الابتلاء والاستدراج تراها تهتز بنباتات المعاصي وأشجار المناهي.
وفي المثنوي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
آتشت هيزم فرعون نيست
زانكه جون فرعون اوراعون نيست
نفس ازدرهاست اوكى مرده است
از غم بى التي افسرده است
كرمك است آن ازدها ازده ست فقر
بشه كردد زجاه ومال صقر
ولذا كان أصعب دعاء إليه أن يقال له : أذاقك الله طعم نفسك، فإنه من ذاق طعم نفسه، واستحلى ما عنده وشغل به عن المقصود، فلا يرجى فلاحه أبداً، وأما إحياء القلوب فبنور الإيمان وصدق
٢٦٧
الطلب وغلبات الشوق، وذلك عند نزول مطر اللطف وماء الرحمة.
وعن بعض الصالحين قال : رأيت سمنون في الطواف، وهو يتمايل، فقبضت على يده.
وقلت له : يا شيخ بموقفك بين يديه ألا أخبرتني بالأمر الذي أوصلك إليه، فلما سمع بذكر الموقف بين يديه سقط مغشياً عليه، فلما أفاق أنشد :()
ومكتئب لجّ السقام بجسمه
كذا قلبه بين القلوب سقيم
يحق له لو مات خوفاً ولوعة
فموقفه يوم الحساب عظيم
ثم قال : يا أخي أخذت نفسي بخصال أحكمتها.
فأما الخصلة الأولى أمت مني ما كان حياً، وهو هوى النفس وأحييت مني ما كان ميتاً، وهو القلب.
وأما الثانية : فإني أحضرت ما كان عني غائباً، وهو حظي من الدار الآخرة، وغيبت ما كان حاضراً عندي، وهو نصيبي من الدنيا.
وأما الثالثة : فإني أبقيت ما كان فانياً عندي، وهو التقى، وأفنيت ما كان باقياً عندي، وهو الهوى.
وأما الرابعة : فإني أنست بالأمر الذي منه تستوحشون وفررت من الأمر الذي إليه تسكنون.
أشار إلى الاستئناس بالله وبذكره، وإلى الاستيحاش مما سوى الله، وهو المراد بحسن الخاتمة، وأما التوحش من الله والإنس بما سواه، فهو المراد بسوء العاقبة نعوذ بالله، وربما كان سوء العاقبة بالخروج من الدنيا بغير إيمان.
وكان في زمان حاتم الأصم نباش، فحضر مجلس حاتم يوماً، فتاب على يده وإحياه الله بسبب نفس حاتم، فقال له حاتم : كم نبشت من القبور، فقال : سبعة آلاف.
قال في كم سنة؟ قال : في عشرين سنة فغشي على حاتم، فلما أفاق.
قال قبور المسلمين أم قبور الكافرين.
قال : بل قبور المسلمين، فقال : كم قبراً وجدت صاحبه على غير القبلة.
قال : وجدت ثلاثمائة قبر صاحبه على القبلة، والباقون على غير القبلة، فغشي على حاتم.
وذلك لأن خوف كل أحد بحسب مقامه من المعرفة، فإذا عرف المرء أن في إمامه موتاً وابتلاء، ثم حشراً وامتحاناً لا يزال في ناحية، وربما يغلب عليه حاله، فيغشى عليه.
قال بعضهم : إذا عرج بروح المؤمن إلى السماء.
قالت الملائكة : سبحان الذي نجى هذا العبد من الشيطان، يا ويحه كيف نجا، ولكثرة فتن الشيطان وتشبثها بالقلوب عزت السلامة، فلا بد من الاستقامة في الله وإدامة الذكر والاستعاذة بالله من كل شيطان مضل وفتنة مهلكة.