جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ﴾ : الإلحاد في الأصل مطلق الميل والانحراف ومنه اللحد ؛ لأنه في جانب القبر، ثم خص في العرف بالانحراف عن الحق إلى الباطل ؛ أي : يميلون عن الاستقامة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ بالطعن فيها بأنها كذب، أو سحر، أو شعر أو بتحريفها بحملها على المحامل الباطلة.
﴿لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ﴾، فنجازيهم بإلحادهم، ثم نبه على كيفية الجزاء، فقال :﴿أَفَمَن﴾ :(آيا كسى كه).
﴿يُلْقَى فِى النَّارِ﴾ عل وجهه وهم الكفرة بأنواعهم.
﴿خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءَامِنًا﴾ من النار ﴿يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾، وهم المؤمنون على طبقاتهم قابل الإلقاء في النار بالإتيان آمناً مبالغة في إحماد حال المؤمنين بالتنصيص على أنهم آمنون يوم القيامة من جميع المخاوف، فلو قال : أم من يدخل الجنة، لجاز من طريق الاحتمال أن يبدلهم الله من بعد خوفهم أمناً ولك أن تقول الآية من الاحتباك حذف من الأول مقابل الثاني، ومن الثاني مقابل الأول.
والتقدير : أفمن يأتي خائفاً ويلقى في النار خير أم من يأتي آمناً ويدخل الجنة يعني : أن الثاني خير
٢٦٨
من الأول.
﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ من الأعمال المؤدية إلى ما ذكر من الإلقاء في النار والإتيان آمناً وآثروا ما شئتم، فإنكم لا تضرون إلا أنفسكم، وفيه تهديد شديد لظهور أن ليس المقصود الأمر بكل عمل شاؤوا.
قال في "الأسلئة المقحمة" : هو أمر وعيد ومعناه : أن المهلة ما هي لعجز ولا لغفلة، وإنما يعجل من يجاف الفوت وهو أبلغ أسباب الوعيد ﴿إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيجازيكم بحسب أعمالكم :
حيل ومكر رها كن كه خدا مى داند
نقد مغشوش مياور كه معامل بيناست
وفي الآية : تخريف لأهل الشطح والطامات الذين يريدون العزة عند العامة، ويزعقون ويمزقون ثيابهم ويجلسون في الزوايا ويتزهدون وينظرون في "تصانيف" المشايخ.
ويقولون عليها ما يجهلون ويتزخرفون وينتظرون دخول الأمراء عليهم، ويدعون المكاشفة والأحوال والمواجيد لا يخفى على الله كذبهم وزورهم وبهيئاتهم ونياتهم الفاسدة وقلوبهم الغافلة، وكذا على أوليائه من الصديقين والعارفين الذين يرون خفايا قلوب الخلق بنور الله لو رأيتهم كيف يفتضحون يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وترى أهل الحق ينظرون إلى الحق بأبصار نافذة وقلوب عاشقة لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة وقد وصف النبي هؤلاء الملحدين وشبههم بالفراعنة، وشبه قلوبهم بقلوب الذئاب.
كما قال عليه السلام :"يخرج في أمتي أقوام لسانهم لسان الأنبياء وقلوبهم كقلوب الفراعنة".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وقال في موضع آخر :"كقلوب الذئب يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".
قال بعضهم : معنى هذه الآية أن الذين يجترئون علينا على غير سبيل الحرمة، فإنه لا يخفى علينا جراءتهم علينا وتعديهم في دعواهم.
وقال ابن عطاء : في هذه الآية أن المدعي عن غير حقيقة سيرى منا ما يستحقه من تكذيبه على لسانه وتفضيحه في أحواله.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءَايَـاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآا أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَـامَةِا اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّه لَكِتَـابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَـاطِلُ مِنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِه تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ * مَّا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَا إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ﴾ ؛ أي : القرآن، فيكون من وضع الظاهر موضع ضمير الآيات.
﴿لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ ؛ أي : بادهوه بالكفر والإنكار ساعة جاءهم وأول ما سمعوه من غير إجالة فكر وإعادة نظر وكذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل قوله : إن الذين إلخ، بدل من قوله : إن الذين يلحدون.
إلخ.
بدل الكل بتكرير العامل وخبر إن هو الخبر السابق، وهو لا يخفون علينا ؛ لأن إلحادهم في الآيات كفر بالقرآن، فلهذا اكتفى بخبر الأول عن الثاني إلا أنه غير معهود إلا في الجار والمجرور لشدة الاتصال.
قال الرضي : ولا يتكرر في اللفظ في البدل من العوامل إلا حرف الجر لكونه، كبعض حروف المجرور.
وقيل : مستأنف وخبرها محذوف مثل سوف نصليهم ناراً، وذلك بعد قوله : حميد.


الصفحة التالية
Icon