وقال الكسائي : سد مسد الخبر السابق.
﴿وَإِنَّهُ﴾.
إلخ.
جملة حالية مفيدة لغاية شناعة الكفر به ؛ أي : والحال أن الذكر.
﴿لَكِتَـابٌ عَزِيزٌ﴾ ؛ أي : كثير المنافع عديم النظير، فهو من العز الذي هو خلاف الذل، أو منيع لا يتأتى معارضته وإبطاله وتحريفه، فهو من العزة بمعنى الغلبة، فالقرآن، وإن كان لا يخلو عن طعن باطل من الطاعنين، وتأويل فاسد من المبطلين إلا أنه يؤتى بحفظة، ويقدر له في كل عصر منعة يحرسونه بإبطال شبه أهل الزيغ والأهواء ورد تأويلاتهم الفاسدة، فهو غالب بحفظ الله إياه وكثرة منعته على كل من يتعرض له بالسوء إمام قشيري قدس سره :(فرموده كه قرآن عزيز است زيزا كلام رب عزيز ست كه ملك عزيز بر رسول عزيز آورده
٢٦٩
براى امت عزيز با آنكه دوست است بنزديك دوست ونامة دوست نزد دوستان عزيز باشد) :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
زنام ونامة تويافتم عزو كرامت
هزارجان كرامى فداى خامه ونامت
قال ابن عطاء : عزيز ؛ لأنه لا يبلغ حد حقيقة حقه لعزه في نفسه وعز من أنزل عليه وعز من خوطب به من أوليائه، وأهل صفوته.
﴿لا يَأْتِيهِ الْبَـاطِلُ مِنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾.
صفة أخرى لكتاب ؛ أي : لا يتطرق إليه الباطل ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حتى يصل إليه ويتعلق به ؛ أي : من راموا فيه أن يكون ليس حقاً ثابتاً من عند الله وإبطالاً له لم يصلوا إليه ذكر أظهر الجهات، وأكثرها في الاعتبار، وهو جهة القدام الخلق.
وأريد الجهات بأسرها، فيكون قوله : لا يأتيه الباطل من بين إلخ.
استعارة تمثيلية شبه الكتاب في عدم تطرق الباطل إليه بوجه من الوجوه بمن هو محمي بحماية غالب قاهر يمنع جاره من أن يتعرض له العدو من جهة من جهاته، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بأن عبر عن المشبه بما عبر به عن المشبه به، فقال : لا يأتيه.
إلخ.
أو لا يأتيه الباطل فيما أخبر عما مضى ولا فيما أخبر عن الأمور الآتية، أو الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره بأن يزيد فيه أو ينقص منه، أو لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ولا يجيء بعده كتاب يبطله أو ينسخه.
﴿تَنزِيلٌ﴾ : أي : هو تنزيل أو صفة أخرى لكتاب مفيدة لفخامته الإضافية بعد إفادة فخامته الذاتية وكل ذلك لتأكيد بطلان الكفر بالقرآن.
﴿مِّنْ حَكِيمٍ﴾ ؛ أي : حكيم مانع عن تبديل معانيه بأحكام مبانيه.
﴿حَمِيدٍ﴾ ؛ أي : حميد مستحق للتحميد بإلهام معانيه أو يحمده كل خلق في كل مكان بلسان الحال، والمقال بما وصل إليه من نعمه.
وفي "التأويلات النجمية" : إن من عزة الكتاب لا يأتيه الباطل، يعني : أهل الخذلان من بين يديه بالإيمان به، ولا من خلفه بالعمل به تنزيل من حكيم ينزل بحكمته على من يشاء من عباده لمن يشاء أن يعمل به حميد في أحكامه وأفعاله ؛ لأنها صادرة منه بالحكمة.
وعن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله عليه السلام يقول :"إلا أنها" الضمير للقصة "ستكون فتنة"، فقلت : ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار.
بيان لمن؟ والجبال إذا أطلق على إنسان يشعر بالصفة المذمومة ينبه بذلك على أن ترك القرآن والإعراض عنه، وعن العمل به، إنما هو الجبر والحماقة.
"فصمه الله" كسره وأهلكه دعاء عليه، أو خبر "ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله" دعاء عليه وإخبار بثبوت الضلالة، فإن طلب الشيء في غير محله ضلال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وهو حبل الله" ؛ أي : عهده وأمانه الذي يؤمن به العذاب.
وقيل : هو نور هداه.
وفي الحديث :"القرآن كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض" ؛ أي : نور ممدود.
وقيل : هو السبب القوي والوصلة إلى من يوثق عليه، فيتمسك به من أراد التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار السرور "المتين" ؛ أي : القوي يعني : هو السبب القوي المأمون الانقطاع المؤدي إلى رحمة الرب.
"وهو الذكر" ؛ أي : القرآن ما يتذكر به ويتعظ به.
"الحكيم" ؛ أي : المحكم آياته ؛ أي : قوي ثابت لا ينسخ إلى يوم القيامة، أو ذو الحكمة في تأليفه.
"وهو الصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الأهواء" ؛ أي : لا يميل بسببه أهل الأهواء، يعني : لا يصير به مبتدعاً وضالاً "ولا تلتبس به الألسنة" ؛ أي : لا يختلط به غيره بحيث يشتبه كلام الرب بكلام غيره لكونه معصوماً.
"ولا يشيع منه العلماء" ؛ أي : لا يحيط
٢٧٠
علمهم بكنهه، بل كلما تفكروا تجلت لهم معاننٍ جديدة كانت في حجب مخفية.