"ولا يخلق" خلق الشيء يخلق بالضم فيهما خلوقة إذا بلي ؛ أي : لا يزول رونقه ولا يقل طرواته ولذة قراءته واستماعه.
"عن كثرة الرد" ؛ أي : عن تكرر تلاوته على لسنة التالين وآذان المستمعين وأذهان المتفكرين مرة بعد أخرى، بل يصير كل مرة يتلوه التالي أكثر لذة على خلاف ما عليه كلام المخلوقين.
وهذه إحدى الآيات المشهورة.
"ولا تنقضي عجائبه" ؛ أي : لا ينتهي أحد إلى كنه معانيه العجيبة وفوائده الكثيرة.
"هو الذي لم تنته الجن" ؛ أي : لم تقف إذ سمعته حتى ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًَا عَجَبًا﴾ (الجن : ١) مصدر وصف به للمبالغة ؛ أي : عجيباً لحسن نظمه ﴿يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ﴾ (الجن : ٢) ؛ أي : يدل إلى الإيمان والخير.
﴿يَهْدِى إِلَى﴾ (الجن : ٢)وصدقناه من قال به صدق ومن عمل به رشد" ؛ أي : يكون راشداً مهدياً.
(ومن حكم به ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم).
كذا في "المصابيح".
وفي الحديث :"يدعى يوم القيامة بأهل القرآن، فيتوج كل إنسان بتاج لكل تاج سبعون ألف ركن ما من ركن إلا وفيه ياقوتة حمراء تضيء من مسيرة.
كذا من الأيام والليالي، ثم يقال : له أرضيت، فيقول : نعم، فيقول له الملكان اللذان كانا عليه يعني : الكرام الكاتبين : زده يا رب، فيقول الرب اكسوه حلة الكرامة، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقال له : أرضيت؟ فيقول : نعم فيقول ملكاه زده يا رب، فيقول لأهل القرآن أن ابسط يمينك فتملأ من الرضوان ؛ أي : رضوان الله، ويقال له : ابسط شمالك فتملأ من الخلد، ثم يقال له : أرضيت؟، فيقول : نعم يا رب، فيقول ملكاه : زده يا رب، فيقول الله : إني قد أعطيته رضواني وخلدي، ثم يعطى من النور مثل الشمس فيشيعه سبعون ألف ملك إلى الجنة، فيقول الرب : انطلقوا به إلى الجنة، فأعطوه بكل حرف حسنة، وبكل حسنة درجة ما بين الدرجتين مسيرة مائة عام".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وفي حديث آخر :"يجاء بأبويه، فيفعل بهما من الكرامة ما فعل بولدهما تكرمة لصاحب القرآن، فيقولان من أين لنا هذا، فيقول بتعليمكما ولدكما القرآن" :
بخردى درش زجر وتعليم كن
به نيك وبدش وعده وبيم كن
هرآن طفل كو جور آموز كار
نه بيند جفا بيند از روزكار
﴿مَّا يُقَالُ لَكَ﴾.
إلخ.
تسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عما يصيبه من أذية الكفار ؛ أي : ما يقال في شأنك وشأن ما أنزل إليك من القرآن من جهة كفار قومك.
﴿إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾ إلا مثل ما قد قيل في حقهم، وفي حق الكتب السماوية المنزلة عليهم مما لا خير فيه من الساحر، والكاهن والمجنون والأساطير ونحوها.
﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ لأنبيائه ومن آمن بهم.
﴿وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ لأعدائهم الذين لم يؤمنوا بهم وبما أنزل إليهم والتزموا الأذية، وقد نصر من قبلك من الرسل، وانتقم من أعدائهم وسيفعل مثل ذلك بك وبأعدائك أيضاً.
وفيه إشارة إلى حال الأولياء أيضاً ؛ فإنهم ورثة الأنبياء فلهم أعداء وحساد يطلقون ألسنتهم في حقهم باللوم والطعن بالجنون والجهل ونحو ذلك.
ولكنهم يصبرون على الجفاء والأذى، فيظفرون بمراداتهم كما صبر الأنبياء، فطفروا.
وفي آية أخرى :﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَـاـاهُمْ نَصْرُنَا﴾ (الأنعام : ٣٤) ؛ أي : ظاهراً بهلاك القوم، أو بإجابة الدعوة وباطناً بالتخلق بالأخلاق الإلهية مثل الصبر، فإنه نصر ؛
٢٧١
أي : نصر إذ به يحصل المرام.
وفي المثنوي :
صد هزاران كيميا حق آفريد
كيميايى همجو صبر آدم نديد
وبذلك ينقلب الإنسان بالصبر من حال إلى حال أخرى أحسن من الأولى، كما ينقلب النحاس بالأكسير فضة، أو ذهباً.
ودلت الآية على أنه ليس من الحكمة أن يقطع لسان الخلق بعضهم عن بعض ألا ترى أنه تعالى لم يقطع لسان الخلق عن ذاته الكريمة.
حتى قالوا في حقه تعالى أن له صاحبة وولداً، ونحو ذلك، فكيف غيره تعالى من الأنبياء والمرسلين والأولياء والمقربين، فالنار لا ترتفع من الدنيا إلا يوم القيامة، وإنما يرتفع الاحتراق بها كما وقع لإبراهيم عليه السلام، وغيره من الخواص، فكل البلايا كالنار، فبطون الأولياء وقلوب الصديقين في سلامة من الاحتراق بها ؛ فإنه لا يجري إلا ما قضاه الله تعالى، ومن آمن بقضاء الله سلم من الاعتراض والانقباض.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وهكذا شأن الكبار نسأل الله الغفار السلامة من عذاب النار.