(وبار نكيرد هيج مادة ازانسان وسائر حيوانات).
﴿وَلا تَضَعُ﴾ حملها بمكان على وجه الأرض.
﴿إِلا بِعِلْمِهِ﴾ استثناء مفرغ من أعم الأحوال، ولم يذكر متعلق العلم للتعميم ؛ أي : وما يحدث شيء من خروج ثمرة ولا حمل حامل ولا وضع واضع ملابساً بشيء من الأشياء إلا ملابساً بعلمه المحيط واقعاً حسب تعلقه به، يعلم وقت خروج الثمرة من أكمامها وعددها وسائر ما يتعلق بها من أنها تبلغ أوان النضج أو تفسد قبل ونحوه، ووقت الحمل وعدد أيامه وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة.
والحسن والقبح وغير ذلك.
ووقت الوضع وما يتعلق به، ولعل ذكر هذه الجمل الثلاث بعد ذكر الساعة لاشتمالها على جواز البعث، وإحياء الموتى.
وفي "حواشي ابن الشيخ" : المعنى أن إليه يضاف علم الساعة ؛ أي : علم وقت وقوع القيامة، فإذا سئلت عنه فرد العلم إليه، فقل الله أعلم كما يرد إليه علم جميع الحوادث الآتية من الثمار والنبات وغيرهما.
روي : أن منصور الدوانقي أهمه مدة عمره فرأى في منامه شخصاً أخرج يده من البحر وأشار بالأصابع الخمس فاستفتى العلماء في ذلك فتأولوه بخمس سنين وبخمسة أشهر وبغير ذلك حتى قال أبو حنيفة تأويله أن مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله، وأن ما طلبت معرفته لا سبيل لك إليه أخذه أبو حنيفة رحمه الله من قوله عليه السلام مفاتح الغيب خمسة، وتلا قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الارْحَامِا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسُا بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ (لقمان : ٣٤).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
يقول الفقير : ظهر من هذا وجه الجمع بين علم الساعة وعلم خروج الثمرات إذ هو داخل في تنزيل الغيث ؛ لأنه بالغيث والرياح تخرج النباتات، وتظهر الثمرات.
﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ ؛ أي : اذكر يا محمد لقومك يوم يناديهم الله ﴿أَيْنَ شُرَكَآءِى﴾ بزعمكم كما نص عليه في قوله تعالى :﴿نَادُوا شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ (الكهف : ٥٢) وبالفارسية كجا اند انبازان بزعم شما.
﴿قَالُوا ءَاذَنَّـاكَ﴾ ؛ أي : أخبرناك وأعلمناك.
﴿مَا مِنَّا﴾ :(نيست ازما).
﴿مِن شَهِيدٍ﴾ من أحد يشهد لهم بالشركة إذ تبرأنا منهم لما عاينا الحال، فيكون السؤال عنهم للتوبيخ، والشهيد من الشهادة، أو ما منا من أحد يشهدهم ؛ لأنهم ضلوا عنهم حينئذٍ فهم لا يبصرونهم في ساعة التوبيخ، فالشهيد من الشهود.
قال في "حواشي سعدي المفتي" : والظاهر أنه كقولهم، والله ربنا ما كنا مشركين، بل الإشارة بقولهم آذناك إلى هذا القول الذي أجابوا به أولاً متعمدين للكذب.
انتهى.
وفي "الإرشاد" قولهم : آذناك إما لأن ؛ لأن هذا التوبيخ مسبوق بتوبيخ آخر مجاب بهذا الجواب أو لأن معناه الإنشاء لا الإخبار بإيذان قد كان انتهى.
﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ﴾ ؛ أي : غاب عن المشركين الآلهة التي كانوا يعبدونها من قبل يوم القيامة، أو ظهر عدم نفعهم، فكان حضورهم كغيبتهم.
﴿وَظَنُّوا﴾ ؛ أي : أيقنوا.
﴿مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ﴾ مهرب.
وبالفارسية :(ويقين دانندكه اذ عذاب وعقوبت نيست ايشانرا هيج كريز كاهى).
من حاص يحيص حيصاً ومحيصاً إذا هرب.
وفي "المفردات" : أصله من قولهم : وقع في حيص بيص ؛ أي : في شدة وحاص عن الحق يحيص ؛ أي : جاد عنه إلى شدة ومكروه.
وفي "القاموس" : حاص عنه عدل وحاد.
والمحيص المحيد والمعدل والميل والمهرب والظن معلق عنه بحرف النفي، والتعليق أن يوقع بعده ما ينوب عن المفعولين جميعاً.
وفي الآية إشارة إلى أن الله تعالى ينادي، فيقول : أين شركائي الذين كانوا يرون أنهم يخلقون
٢٧٦
أفعالهم وأعمالهم.
قالوا : آذناك ما منا من شهيد يشهد أنه خالق فعله وكوشفوا بأنه لا خالق إلا الله، وهم المعتزلة، وقد سئل الرستغفني عن المناكحة بين أهل السنة وبين أهل الاعتزال، فقال : لا يجوز كما في "مجمع الفتاوى".
وذلك لأن أهل الاعتزال مشركون بقولهم : أن العباد خالقون لأفعالهم.
وقد قال تعالى :﴿وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ (البقرة : ٢٢١) ؛ أي : يوحدوا ويقولوا : لا خالق إلا الله ولا وجود في الحقيقة إلا الله وضل عنهم يوم القيامة، ما كانوا يدعون من قبل أن له وجوداً وزال وبطل (ع) :(جه كونه غير توبيند كسى كه غير تويست).
وأيقنوا ما الهم من مهرب إلى الله عند قيام الساعة بتجلي صفة القهارية، ولو كانوا أرباب اللطف في الدنيا لنالوا لطفه في العقبى، فعلى العاقل أن يهرب ويفر إلى الله تعالى، كما قال :﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ (الذاريات : ٥٠)، فإذا فر إليه أنس به والأنيس لايخاف من قهر الأنيس إذ هو على الملاطفة معه على كل حال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥


الصفحة التالية
Icon