﴿وَلَـاـاِنْ أَذَقْنَـاهُ رَحْمَةً مِّنَّا﴾ من عندنا.
﴿مِنا بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ﴾ ؛ أي : أصابته وذلك بتفريج تلك الضراء عنه كالمرض والضيق بالرحمة كالصحة والسعة.
﴿لَيَقُولَنَّ هَـاذَا﴾ الخير ﴿لِى﴾ ؛ أي : حقي وصل إليَّ لأني أستحقه لما لي من الفضل وعمل البر، فاللام للاستحقاق أولى لا لغيري، فلا يزول عني أبداً، فاللام للاختصاص فيكون إخباراً عن لازم الاستحقاق لا عن نفسه، كما في الوجه الأول، ومعنى الدوام استفيد من لام الاختصاص ؛ لأن ما يختص بأحد الظاهر أنه لا يزول عنه، فذلك المسكين لم ير فضل الله وتوفيقه، فادعى الاستحقاق في الصورة الأولى، واشتغل بالنعمة عن المنعم، وجهل أن الله تعالى أعطاه ليبلوه (ايشكرام).
يكفر فلو أراد لقطعها منه، وذلك في الصورة الثانية.
﴿وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآاـاِمَةً﴾ ؛ أي : تقوم وتحضر وتكون فيما سيأتي كما يزعم محمد.
﴿وَلَـاـاِن رُّجِعْتُ﴾ رددت ﴿إِلَى رَبِّى﴾ على تقدير قيامها وبعثت، وهو الذي أرادوا بقولهم إن نظن إلا ظناً، فلا يخالف، وما أظن الساعة قائمة ؛ لأن المراد الظن منه الكامل.
﴿إِنَّ لِى عِندَه لَلْحُسْنَى﴾، وهو جواب القسم لسبقه الشرطية ؛ أي : للحالة الحسنى من الكرامة يعني :(استحقاق من مرنعمت وكرمت راثابت است خواه دردنيا خواه در عقبا (ع)).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
زهى تصور باطل زهى خيال محال
أعتقد أن ما أصابه من نعم الدنيا لاستحقاقه لها، وأن نعم الآخرة كذلك ؛ لأن سبب الإعطاء متحقق في الآخرة أيضا، وهو استحقاقه إياها، فقاس أمر الآخرة على أمر الدنيا بالوهم المحض والأمنية الكاذبة.
وعن بعضهم : للكافر أمنيتان يقول في الدنيا : ولئن رجعت إلخ.
وفي الآخرة : يا ليتني كنت تراباً (وهيجكدام ازين معنى وجودى نخواهد كرفت).
وعن بعض أهل التفسير : أن لي عنده للحسنى ؛ أي : الجنة يقول ذلك استهزاء.
﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا﴾ ؛ أي : لنعلمنهم بحقيقة أعمالهم حين أظهرناها بصورها الحقيقية، فيرون أنها مقابح يهان عليها لا محاسن يكرم عليها.
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ لا يعرف كنهه، ولا يمكنهم التفصي منه ؛ كأنه لغلظته يحيط بجميع جهاتهم.
وقد كان معذباً في الدنيا بعذاب
٢٧٨
الطرد والبعد، ولكن لما لم يجد ذوق العذاب وألمه أذاقه الله تعد انتباهه من نومه وغفلته ؛ أي : بعد الموت لقول علي كرم الله وجهه الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا.
وفي "بحر العلوم" : غليظ ؛ أي : شديد أو عظيم، ومن ابتدائية أو بيانية والمبين محذوف كأنه قيل : ولنذيقنهم عذاباً مهيناً من عذاب كبير بدل ما اعتقدوه لأنفسهم من الإكرام والإعزاز من الله تعالى.
يقول الفقير : يجوز أن يقال : وصف العذاب بالغلظة لغلظة بدن المعذب به.
قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوي قدس سره : الغالب على الأشقياء خواص التركيب والكثافة.
كما أشار إليه عليه السلام بقوله : إن غلظ جلد الكافر يوم القيامة مسيرة ثلاثة أيام وكما نبه الحق على ذلك بقوله :﴿كَلا إِنَّ كِتَـابَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ﴾، وهو العالم السفلي المضاف إلى اليد المسماة بالقبضة، وبالشمال أيضاً.
وقال في أصحاب اليمين :﴿كَلا إِنَّ كِتَـابَ الابْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ﴾ (المطففين : ١٨).
وهذا مثل قوله :﴿وَالسَّمَـاوَاتُ مَطْوِيَّـاتُا بِيَمِينِهِ﴾ (الزمر : ٦٧).
والسر في أن الأبرار وكتابهم في عليين هو أن أجزاء نشأتهم الكثيفة، وقواهم الطبيعة المزاجية تجوهرت وزكت واستحالت بالتقديس والتزكية الحاصلين بالعلم والعمل والتحلية بالصفات المحمودة، والأخلاق السنية قوي وصفات ملكية ثابتة زكية ذاتية لنفوسهم المطمئة، كما أخبر الحق عن ذلك بقوله : في بيان أحوال النفوس ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـاـاهَا﴾ (الشمس : ٩)، وكما أشار إليه عليه السلام في دعائه : اللهم آتتِ نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
والحال في الأشقياء بعكس ذلك، فإن قواهم وصفاتهم الروحانية لما استهلكت في القوى الطبيعة المتصفة بأحكام اعتقاداتهم وظنونهم الفاسدة وأفعالهم الرديئة وأخلاقهم المذمومة زمان بقائهم السنين الكثيرة في هذه النشأة.
وهذه الدار ركبها الحق في النشأة الحشرية بحيث يحصل منها ما اقتضى أن يكون غلظ جلد بدن أحدهم مسيرة ثلاثة أيام عكس ما نبهت عليه من حال الأبرار، ولهذا ورد في شأن النشأة الجنانية أن أصحابها يظهرون في الوقت الواحد في الصور المتعددة منعمين في كل طائفة من أهاليهم منقلبين فيما اشتهوا من الصور، وليس هذا إلا من أجل ما ذكرنا من استهلاك أجزاء نشأتهم الكثيفة في لطائف جواهرها وانصباغها بصفاتها وغلبة خواص نفوسهم، وقواهم الروحانية على قوى أمزجتهم الطبيعية، فصاروا كالملائكة يظهرون فيما شاؤوا من الصور.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
بال بكشا وصفيراز شجر طوبى زن
حيف باشد جوتو مرغى كه اسير قفسى


الصفحة التالية
Icon