﴿وَلَـاـاِنْ أَذَقْنَـاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِنا بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـاذَا لِى وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآاـاِمَةً وَلَـاـاِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّى إِنَّ لِى عِندَه لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الانسَـانِ أَعْرَضَ وَنَـاَا بِجَانِبِه وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ * قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِه مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقا بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّا أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾.
﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الانسَـانِ أَعْرَضَ﴾ ؛ أي : عن الشكر إنعامه، وهذا نوع آخر من طغيان الكافر إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة ؛ وكأنه لم يلق شدة قط فنسي المنعم وكفر بنعمته بترك الشكر.
﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا﴾ :(النأى دور شدن).
ويعدى بنفسه وبعن كما في "تاج المصادر" ؛ أي : تباعد بكليته عن الشكر لا بجانبه فقط، ولم يمل إلى الشكر والطاعة تكبراً وتعظماً، فالجانب مجاز عن النفس كما في قوله تعالى :﴿فِى جَنابِ اللَّهِ﴾ (الزمر : ٥٦)، ويجوز أن يراد به عطفه، فيكون على حقيقته وعبارة عن الانحراف والازورار ؛ لأن نأي الجانب عن الشكر يستلزم الانحراف عنه، كما قالوا : ثنى عطفه وتولى بركنه، فالباء للتعدية.
وفي "التأويلات النجمية" : إذا خلناه إلى الطبيعة الإنسانية، وهي الظلومية والجهولية لا يميز بين العطاء والبلاء، فكثير مما يتوهمه عطاء، وهو مكر واستدراج هو يستديمه وكثير مما هو فضل في نقمة وعطاء في الشر، وهو يظنه بلاء، فيكرهه بل إذا أنعمنا
٢٧٩
عليه صاحبه بالبطر، وإذا أبليناه قابله بالضجر، بل وإذا أنعمنا عليه أعجب بنفسه، فتكبر مختالاً في زهوه لا يشكر ربه، ولا يذكر فضله ويشتغل بالنعمة عن المنعم ويتباعد عن بساط طاعته، فكالمستغني عنا يهيم على وجهه.
قال الحافظ :
ببال وبر مرو ازره كه تيربرتابى
هو اكرفت زمانى ولى بخاك نشست
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ ؛ أي : إذا مس هذا الإنسان المعرض المتكبر جنس الشر كالبلاء والمحبة، وإنما جيء بلفظ الماضي، وإذا لأن المراد الشر المطلق الذي حصوله مقطوع به.
﴿فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ﴾ ؛ أي : فهو ذو دعاء كثير كما يقال : أطال فلان الكلام والدعاء، وأعرض ؛ أي : أكثر فهو مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته، فإن العريض يكون ذا أجزاء كثيرة، وامتداد فمعنى الاتساع يؤخذ من تنكير عريض، فإنه يدل على التعظيم، ومعنى الامتداد يؤخذ من معنى الطول اللازم للعرض، وهو أي عريض أبلغ من طويل إذ الطول أطول الامتدادين فإذا كان عرضه كذلك ؛ أي : متسعاً، فما ظنك بطوله، ولعل شأن بعض غير البعض الذي حكي عنه اليأس والقنوط إذ اليأس، والقنوط ينافيان الدعاء ؛ لأنه فرع الطمع والرجاء، أو شأن الكل في بعض الأوقات.
وقيل : قنوط من الصنم دعاء، أو قنوط بالقلب دعاء باللسان.
﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ﴾ ؛ أي : أخبروني ؛ لأن الرؤية سبب للإخبار.
﴿إِن كَانَ﴾ ؛ أي : القرآن ﴿مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ﴾ من غير نظر واتباع دليل مع تعاضد موجبات الإيمان به.
﴿مَنْ﴾ استفهام ﴿أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقا بَعِيدٍ﴾ ؛ أي : من أضل منكم، فوضع الموصول موضع الضمير شرحاً لحالهم وتعليلاً لمزيد ضلالهم وخلافهم ؛ بأنه لكونهم في شقاق بعيد، فإن من كفر بما نزل من عند الله، بأن قال : أساطير الأولين، ونحوه.
فقد كان مشاقاً ؛ أي : معادياً ومخالفاً له خلافاً بعيداً عن الوفاق، ومعاداة بعيدة عن الموالاة، ولا شك أن من كان كذا، فهو في غاية الضلال.
وفي الآية إشارة إلى أن كل بلاء وعناء ونعمة ورحمة مضرة ومسرة ينزل بالعبد، فهو من عند الله، فإن استقبله بالتسليم والرضا صابراً شاكراً للمولى في الشدة والرخاء والسراء والضراء، فهو من المهتدين المقربين، وإن استقبله بالكفر والجزع بالخذلان، فهو من الأشقياء المبعدين المضلين.
وفي الحديث القدسي :"إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله، أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً وأنشرله ديواناً".
وفي الحديث :"إذا أحب الله عبداً ابتلاه إذا أحبه حباً شديداً، فتناه فإن صبر ورضي اجتباه.
قيل : يا رسول الله، وما افتناؤه، قال : أن لا يبقى له مالاً ولا ولداً".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥


الصفحة التالية
Icon