يخفيان عند ملاقاتهما خمسة عشر حرفاً، وكما أن في العالم الكبير أرضاً وجبالاً ومعادن وبحاراً، وأنهاراً وجداول وسواقي، فجسد الإنسان كالأرض وعظامه كالجبال التي هي أوتاد الأرض، ومخه كالمعادن وجوفه كالبحار وأمعاؤه كالأنهار وعروقه كالجداول والسواقي وشحمه كالطين وشعره كالنبات، ومنبت الشعر كالتربة الطيبة وأنسه كالعمران وظهره كالمفاوز ووحشته كالخراب وتنفسه كالرياح وكلامه كالرعد وأصواته كالصواعق وبكاؤه كالمطر وسروره كضوء النهار وحزنه كظلمة الليل ونومه كالموت ويقظته كالحياة وولادته كبدء سفره وأيام صباه كالربيع وشبابه كالصيف، وكهولته كالخريف وشيخوخته كالشتاء وموته كانقضاء مدة سفره والسنون من عمره كالبلدان والشهور كالمنازل والأسابيع كالفراسخ وأيامه كالأميال وأنفاسه كالخطى فكلما تنفس نفساً ؛ كأنه يخطو خطوة إلى أجله :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
هر دم از عمر ميرود نفسى
جون نكه ميكنم نماندبسى
وله في كل يوم اثنا عشر ألف نفس، وفي كل ليلة كذلك، فيوم القيمة ينظر في كل نفس أخرجه في غفلة عن ذكر الله فيا طول حسرة من مضى نفس من أنفاسه بالغفلة، ثم الأرض سبع طباق أرض سوداء وغبراء وحمراء وصفراء وبيضاء وزرقاء وخضراء، فنظائرها من الإنسان في جسمه الجلد والشحم واللحم والعروق والعصب والقصب والعظام.
وهذه المرة السوداء بمنزلة الأرض ليبسها وبردها، وهذه المرة الصفراء بمنزلة النار ليبسها وحرارتها.
وهذا الدم بمنزلة الهواء لحرارته ورطوبته.
وهذا البلغم بمنزلة الماء لبرودته ولزوجته، وكما أن المياه مختلفة فمنها الحلو والمالح والمنتن كذلك مياه بدن الإنسان هذا ماء العين ملح ؛ لأن العين شحمة ولولا ملوحة مائها لفسدت، وهذا الريق عذب، ولولا ذلك ما استعذب طعام ولا شراب.
وهذا الماء الذي في صماخ الأذنين مر ؛ لأنهما عضوان مفتوحان لا انطباق لهما حتى أن نتن الماء يصد كل شيء عن أذنه، ولو أن دودة دخلتخما لماتت لمرارة ذلك الماء ونتنه، ولولا ذلك لوصل الديدان إلى دماغه، فأفسده، ثم فيه أخلاق جميع الحيوانات، فهو كالملك من جهة المعرفة والصفاء كالشيطان من جهة المكر والكدورة، وكالأسد في الجراءة والشجاعة، وكالبهيمة في الجهل، وكالنمر في الكبر، وكالفهد والأسد في الغضب، وكالذئب في الإفساد والإغارة، وكالحمار في الصبر وكذا كالحمار والعصفور في الشهوة وكالثعلب في الحيلة والفأرة، والنملة في الحرص والجمع، وكالكلب في البخل، وكذا في الوفاء، والخنزير في الشره، وكالحية في الحقد، وكالجمل في الحلم، وكذا في الحقد، وكالديك في السخاوة، وكالبوم في الصناعة وكالهرة في التواضع والتملق، وكالغراب في البكور، وكالبازي والسلحفاة في الهمة إلى غير ذلك، ويزيد على الجميع بالنظر ووجود التمييز والاستدلال بالشاهد عن الغائب، وأنواع الحرف والصناعات، فهذه كلها آيات الله تعالى في أنفسنا، فتبارك الله أحسن الخالقين.
قال الصائب :
عجبتر از تو ندارد جهان تماشا كاه
جرا بجشم تعجب بخود نظر نكنى
وقال :
اى رازنه فلك زو جودت عيان همه
دردادن تو حاصل دريا وكان همه
بيش توسر بخاك مذلت نهاده اند
با آن علوم ومرتبه روحانيان همه
٢٨٢
در كوش كرده خلقة فرمان بذير يرتست
خاك وهواو آتش وآب روان همه
﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ﴾ بذلك ﴿أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ ؛ أي : القرآن، أو الرسول فالقصر المستفاد من تعريف المسند حقيقي ادعائي، أو الله، أو التوحيد، فالقصر إضافي تحقيقي ؛ أي : لا الشركاء ولا التشريك والضمائر في سنريهم، وفي أنفسهم، ولهم للمشارفين على الاهتداء منهم، أو للجميع على أنه من وصف الكل بوصف البعض كما في "حواشي سعدي المفتي".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥