وقال عطاء : الحاء حرب وهو موت ذريع في الناس، وفي الحيوان حتى يبيدهم ويفنيهم.
والميم تحويل ملك من قوم إلى قوم، والعين عدو لقريش يقصدهم، ثم ترجع إليهم الدولة لحرمة البيت، والسين : هو استئصال بالسنين ؛ كسني يوسف عليه السلام وسبي يكون فيهم.
والقاف : قدرة الله نافذة في ملكوت الأرض لا يخرجون من قدرة الله، وهي نافذة فيهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الحاء حكم الله والميم ملك الله، والعين علو الله، والسين سنا الله، والقاف قدرة الله، أقسم الله بها ؛ فكأنه يقول : فحكمي وملكي وعلوي وسناي وقدرتي لا أعذب عبداً قال : لا إله إلا الله مخلصاً، فلقيني بها.
ومعناه على ما قال أبو الليث في "تفسيره" : لا يعذبه عذاباً دائماً خالداً.
وفي الحديث :"افتتحوا صبيانكم لا إله إلا الله"، و"لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله".
والحكمة في ذلك أن حال الصبيان حال حسن لا غل ولا غش في قلوبهم.
وحال الموتى حال الاضطرار، فإذا قلتم في أول ما يجري عليكم القلم، وآخر ما يجف عليكم القلم.
فعسى الله أن يتجاوز ما بين ذلك، ويقال : الحاء من الرحمن الرحيم، والميم من مجده، والعين من العليم، والسين من القدوس، والقاف من القاهر.
ويقال : الحاء حلمه والميم من المجيد، والعين عظمته، والسين سناه، والقاف قدرته.
ويقال : إن القاف، اسم لجبل يحيط بالدنيا.
(در كشف اسرار أورده كه اين حروف ايمانيست بأن عطاياكه حق سبحانه وتعالى بحضرت رسالت ارزانى داشت حاء حوض مورود اوست يعنى حوض كوثر كه تشنه لبان امت ازان سيراب كردانند وميم ملك ممدود او كه از مشرق تابمغرب بتصرف امت اودر آيدو عين عز موجود اوكه اعز همه اشيا نزد حق سبحانه بوده وسين سناء مشهود اوكه مرتبة هيجكس برتبة رفعت او همه نرسيد وقاف مقام محمود اوكه درشب معراج درجة او ادناست ودر روز ميامت شفاعت كبرى) :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
مقام تو محمود ونامت محمد
بدين سان مقامى ونامى كه دارد
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى القسم بحاء حبه وميم محبوبه محمد، وعين عشقه على سيده، وقاف قربه إلى سيده بكمال لا يبلغه أحد من خلقه.
ويقول الفقير : الحاء هو الحجر الأسود، والميم مقام إبراهيم، والعين عين زمزم، والسين والقاف سقياها، فمن استلم الحجر الأسود ساد سيادة معنوية، ومن صلى خلف المقام أكرمه الله بالخلة، ومن دعا عند زمزم إجابه الله، ومن شرب من زمزم سقاه الله شراباً طهوراً لا يبقي فيه وجعاً ولا مرضاً.
﴿كَذَالِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
الكاف في حيز النصب على أنه مفعول ليوحي، والجلالة فاعله ؛ أي : مثل ما في هذه السورة من المعاني يوحي الله العزيز الحكيم إليك في سائر السور، وإلى من قبلك من الرسل في كتبهم على أن مناط المماثلة هو الدعوة إلى التوحيد والإرشاد إلى الحق، وما فيه صلاح العباد في المعاش، ويجوز أن يكون الكاف في حيز النصب على أنه نعت لمصدر مؤكد ليوحي ؛ أي : مثل إيحاء هذه السورة يوحي الله العزيز الحكيم إليك عند إيحاء سائر السور، وإلى سائر الرسل عند إيحاء كتبهم إليهم لا إيحاء مغايراً على أن مدار المثلية كونه بواسطة الملك، وإنما ذكر بلفظ المضارع مع أن مقتضى المقام، أن يذكر بلفظ الماضي ضرورة أن الوحي إلى الذين من قبله
٢٨٦
قد مضى، دلالة على استمرار الوحي، وتجدده وقتاً فوقتاً، وأن إيحاء مثله عادته تعالى، ويجوز أن يكون إيذاناً أن الماضي والمستقبل بالنسبة إليه تعالى واحد كما في "الكواشي".
والعزيز الحكيم : صفتان مقررتان لعلو شأن الموحي به ؛ لأنه أثر من اتصف بكمال القدرة والعلم.
﴿لَه مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ ؛ أي : أن الله تعالى يختص به جميع ما في العوالم العلوية والسفلية خلقاً وملكاً وعلماً.
﴿وَهُوَ الْعَلِىُّ﴾ الشأن ﴿الْعَظِيمُ﴾ الملك والقدرة والحكمة، أو هو العلي ؛ أي : المرتفع عن مدارك العقول إذ ليس كذاته ذات، ولا كصفاته صفات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، وهو العظيم الذي يصغر عند ذكره وصف كل شيء سواه.
والعظيم من العباد الأنبياء والعلماء الوارثون لهم، فالنبي عظيم في حق أمته، والشيخ عظيم في حق مريده، والأستاذ في حق تلميذه.
وإنما العظيم المطلق هو الله تعالى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿لَه مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ * تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّا والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الارْضِا أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِه أَوْلِيَآءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ * وَكَذَالِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.