﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ﴾ :(نزديك شدكه آسمانها).
﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾ : التفطر :(شكافته شدن).
وأصل الفطر : الشق طولاً ؛ أي : يتشققن من عظمة الله وخشيته وإجلاله، كقوله تعالى :﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَـاذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَه خَـاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ (الحشر : ٢١).
﴿مِن فَوْقِهِنَّ﴾ ؛ أي : يبتدىء التفطر من جهتهن الفوقانية إلى جهتهن التحتانية وتخصيصها لما أن أعظم الآيات وأدلها على العظيمة والجلال من تلك الجهة من العرش والكرسي، وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله من آثار الملكوت العظمى، فكان المناسب أن يكون تفطر السماوات مبتدأ من تلك الجهة بأن يتفطر أولاً أعلى السماوات، ثم وثم إلى أن ينتهي إلى أسفلها بأن لا تبقى سماء إلا سقطت على الأخرى.
ويقال : تتشققن من دعاء الولد، كما قال تعالى في سورة مريم :﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الارْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـانِ وَلَدًا﴾ (مريم : ٩٠ ـ ـ ٩١)، فتخصيصها للدلالة على التفطر من تحتهن بالطريق الأولى ؛ لأن تلك الكلمة الشنعاء الواقعة في الأرض إذا أثرت في جهة الفوق، فلأن تؤثر في جهة التحت أولى.
وقيل : لنزول العذاب منهن.
﴿والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾.
ينزهونه تعالى عما لا يليق به من الشريك والولد وسائر صفات الأجسام ملتبسين بحمده تعالى.
يعني : تسبيح وحمد (باهم ميكويند جه يكى نفى ناسزاست ويكى إثبات سزا)، فقدم التسبيح على الحمد ؛ لأن التخلية مقدمة على التحلية.
وهذا جانب الاستفاضة من الله، والقبول، ثم أشارا جانب الإفاضة والتأثير بقوله :﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأرْضِ﴾ ؛ أي : للمؤمنين بالشفاعة لقوله تعالى :﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ (غافر : ٧)، فالمطلق محمول على المقيد، أو للمؤمن والكافر بالسعي، فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة والإلهام، وترتيب الأسباب المقربة إلى الطاعة واستدعاء تأخير العقوبة جمعاً في إيمان الكافر وتوبة الفاسق.
وهذا لا ينافي كون الملائكة لاعنين للكفار من وجه آخر، كما قال تعالى :﴿أولئك عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَئكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (البقرة : ١٦١).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وفي الحديث :"ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداًيسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض".
وهذا يدل على أن المراد بالملائكة في الآية ملائكة السماوات كلها.
وقال مقاتل حملة العرش وإليه ذهب الكاشفي في "تفسيره"، ويدل عليه قوله تعالى في أوائل حم المؤمن ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَه يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِه وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ (غافر : ٧).
يقول الفقير : تخصيص ملائكة العرش لا ينافي
٢٨٧
من عداهم، فلعله من باب الترقي ؛ لأن آية ﴿حم﴾ المؤمن مقيدة بحملة العرش واستغفار المؤمنين.
وهذه الآية مطلقة في حق كل من الملائكة والاستغفار.
﴿إِلا﴾ اعلموا ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ﴾ يغفر ذنوب المقبلين ﴿الرَّحِيمُ﴾ يرحم بأن يرزقهم جنته وقربه ووصاله وبرحمته يأمر الملائكة بالاستغفار لبني آدم مع كثرة عصيانهم، والكفار الذين يرتكبون الشرك والذنوب العظام لا يقطع رزقهم ولا صحتهم ولا تمتعاتهم من الدنيا، وإن كان يريد أن يعذبهم في الآخرة.
يقول الفقير : إن الملائكة وإن كانوا يستغفرون للمؤمنين، فالمؤمنون يسلمون عليهم، كما يقولون في التشهد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إذ لا يعصون ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فالمنةتعالى على كل حال.
وفي الآية إشارة إلى أن قوماً من الجهلة يقولون : على الله ما لا يعلمون، ومن عظم افترائهم تكاد السموات تنشق من فوقهم ؛ لأن الله تعالى ألبسها أنوار قدرته وأدخلها روح فعله حتى عقلت عبوديته صانعها، وعرفت قدسه وطهارته عن قول الزائغين، وإشارة الملحدين والملائكة يقدسون الله عما يقولون فيه من الزور والبهتان، والدعاوى الباطلة، ويستغفرون للمؤمنين الذين لم يبلغوا حقيقة عبوديته، فإنهم هم القابلون للإصلاح لاعترافهم بعجزهم وقصورهم دون المصرين المبتدعين :
فاسد شده راز روزكار وارون
لايمكن أن يصلحه العطارون
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِه أَوْلِيَآءَ﴾ شركاء وأنداداً، وأشركوهم معه في العبادة.
﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ رقيب على أحوالهم وأعمالهم مطلع ليس بغافل فيجازيهم لا رقيب عليهم إلا هو وحده.
ومعنى الحفيظ بالفارسية :(نكهبان).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon