جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وفي "التأويلات النجمية" : وتنذر يوم الجمع بين الأرواح والأجساد لا شك في كونه، وكما أنهم اليوم فريقان : فريق في جنة القلوب وراحات
٢٨٩
الطاعات وحلاوات العبادات، وتنعمات القربات.
وفريق في سعير النفوس وظلمات المعاصي وعقوبات الشرك والجحود، فكذلك غدا فريق هم : أهل اللقاء، فريق هم : أهل الشقاء والبلاء.
وفي الحديث :"إن الله خلق للجنة خلقاً، وهم في أصلاب آبائهم"، وعنه عليه السلام أن الله خلق الخلق وقضى القضية وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء، فأهل الجنة أهلها وأهل النار أهلها".
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
قال : خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وفي يده كتابان.
وفي رواية : خرج ذات يوم قابضاً على كفيه، ومعه كتابان، فقال : أتدرون ما هذان الكتابان؟.
قلنا : لا يا رسول الله، فقال :"للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون، فليس بزائد فيهم ولا بناقص منهم إجمال الله عليهم إلى يوم القيامة"، فقال عبد الله بن عمرو : ففيم العمل إذاً؟ فقال :"اعملوا وسددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وصاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، ثم قال : فريق في الجنة، وفريق في السعير عدل من الله تعالى قوله : سددوا وقاربوا ؛ أي : اقصدوا السداد ؛ أي : الصواب، ولا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي ذلك بكم إلى الملال، فتتركوا العمل" كما في "المقاصد الحسنة" للإمام السخاوي ونظيره قوله عليه السلام :"إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" يعني : أن الدين يشتمل على أعمال سهلة، فمن تكلف والتزم في عبادات شاقة وتكلفات لربما لم يتيسر إقامتها عليه، فتغلب عليه، فالكسب طريق الجنة، ولا بد منه، وإن علم أنه من أهل الجنة :
كسب را همجون زراعت دان عمو
تانكارى دخل نبود آن تو
﴿وَكَذَالِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيه فَرِيقٌ فِى الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى السَّعِيرِ * وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـاكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِه وَالظَّـالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِىٍّ وَلا نَصِيرٍ * أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِه أَوْلِيَآءَا فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِىُّ وَهُوَ يُحْىِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ﴾ ؛ أي : في الدنيا، والضمير لجميع الناس المشار إليهم بالفريقين ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ : فريقاً واحدا وجماعة واحدة مهتدين، أو ضالين، وهو تفصيل لما أجمله ابن عباس رضي الله عنهما في قوله على دين واحد.
﴿وَلَـاكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ﴾ أن يدخله ﴿فِى رَحْمَتِهِ﴾ وجنته، ويدخل من يشاء أن يدخله في عذابه ونقمه، ولا ريب في أن مشيئته تعالى لكل من الإدخالين تابعة لاستحقاق كل من الفريقين لدخول مدخله، ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب اختلاف حال الداخلين فيهما قطعاً، فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة، بل جعلهم فريقين.
﴿وَالظَّـالِمُونَ﴾ ؛ أي : المشركون ﴿مَا لَهُم مِّن وَلِىٍّ﴾ ؛ أي : ما لهم ولي ما يلي أمرهم ويغنيهم وينفعهم، فمن مزيدة لاستغراق النفي.
﴿وَلا نَصِيرٍ﴾ : يدفع العذاب عنهم ويخلصهم منه، وفيه إيذان بأن الإدخال في العذاب من جهة الداخلين بموجب سوء اختيارهم، لا من جهته تعالى، كما في الإدخال في الرحمة.
قال سعدي المفتي في "حواشيه" : لعل تغيير المقابل حيث لم يأت المقابل، ويدخل من يشاء في نقمته، بل عدل إلى ما في النظم للمبالغة في الوعيد، فإن في نفي من يتولاهم وينصرهم في دفع العذاب عنهم دلالة على أن كونهم في العذاب أمر معلوم مفروغ عنه، وأيضاً فيه سلوك طريق، وإذا مرضت، فهو يشفين، وأيضاً ذكر السبب الأصلي في جانب الرحمة ليجتهدوا في الشكر.
٢٩٠
والسبب الظاهري في جانب النقمة ليرتدعوا عن الكفر.