وفي "التأويلات النجمية" : ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة كالملائكة المقربين ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ﴾ (التحريم : ٦) الآية، أو جعلهم كالشياطين المبعدين المطرودين المتمردين، ولكن الحكمة الإلهية اقتضت أن يجعلهم مركبين من جوهر الملكي والشيطاني، ليكونوا مختلفين بعضهم الغالب عليه الوصف الملكي مطيعاًتعالى، وبعضهم الغالب عليه الوصف الشيطاني متمرداً على الله تعالى، ليكونوا مظاهر صفات لطفه وقهره مستعدين لمرآتية صفات جماله وجلاله متخلقين بأخلاقه.
وهذا سر قوله تعالى :﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاسْمَآءَ كُلَّهَا﴾ (البقرة : ٣١)، ومن ها هنا قالت الملائكة :﴿سُبْحَـانَكَ لا عِلْمَ لَنَآ إِلا مَا عَلَّمْتَنَآ﴾ (البقرة : ٣٢)، ويدل على هذا التأويل قوله :﴿وَلَـاكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِ﴾ ؛ أي : ليكون مظهر صفات لطفه، والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ؛ أي : ليكونوا مظاهر صفات قهره.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِه أَوْلِيَآءَ﴾، أم منقطعة مقدرة ببل، والهمزة، وما فيها من بل للانتقال من بيان ما قبلها إلى بيان ما بعدها، والهمزة لإنكار الوقوع ونفيه على أبلغ وجه وأكده لا لإنكار الواقع واستقباحه، كما قيل : إذ المراد بيان أن مافعلوا ليس من اتخاذ الأولياء في شيء ؛ لأن ذلك فرع كون الأصنام أولياء، وهو أظهر الممتنعات ؛ أي : بل اتخذوا متجاوزين الله أولياء من الأصنام وغيرها :
ءلاف دوستى ايشان مى زند هيهات
﴿فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِىُّ﴾ : جواب شرط محذوف ؛ كأنه قيل : بعد إبطال ولاية ما اتخذوه أولياء إن أرادوا أولياء في الحقيقة هو الولي الذي يجب أن يتولى، ويعتقد أنه المولى والسيد لا ولي سواه، وهو متولي الأمور من الخير والشر والنفع والضر.
قال في "كشف الأسرار" :(الله اوست كه يار فرياد رس است).
قال سعد المفتي : ولك أن تحمل الفاء على السببية الداخلة على السبب لكون ذكره مسبباً عن ذكر السبب فانحصار الولي في الله سبب لإنكار اتخاذ الأولياء من دون الله كما يجوز أن يقال : أتضرب زيداً، فهو أخوك على معنى : لا ينبغي أن تضربه فإنه أخوك.
﴿وَهُوَ يُحْىِ الْمَوْتَى﴾ ؛ أي : من شأنه ذلك ليس في السماء والأرض معبود يحيي الموتى غيره، وهو قول إبراهيم عليه السلام ربي الذي يحيي ويميت، ولما نزل العذاب بقوم يونس عليه السلام لجؤوا إلى عالم فيهم كان عنده من أهل العلم شيء، وكان يونس ذهب مغاضباً، فقال لهم : قولوا : يا حي حين لا حي يا حي محيي الموتى يا حى لا إله إلا أنت، فقالوها، فكشف عنهم العذاب.
يقول الفقير قدس سره : إن الله تعالى إنما يرسل العذاب للإماتة والإهلاك.
وفي الحي والمحيي ما يدفع ذلك إذ لا تجتمع الحياة والموت في محل واحد.
وفيه إشارة إلى غلبة الرحمة والشفقة.
﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾، فهو الحقيق بأن يتخذ ولياً فليتحصوه بالاتخاذ دون من لا يقدر على شيء :
اوست قادر بحكم كن فيكون
غير أو جمله عاجز ند وزبون
عجر را سوى قدرتش ره نيست
عقال ازين كارخانه آكه نيست
وفي "التأويلات النجمية" : وهو يحيي الموتى ؛ أي : النفوس والقلوب الميتة، ويميت النفوس والقلوب اليوم وغداً، وهو على كل شيء قدير من الإيجاد والإعدام.
وقال الواسطي رحمه الله : يحيي القلوب بالتجلي ويميت الأنفس بالاستتار.
وقال سهل لا يحيي النفوس حتى تموت ؛ أي : من أوصافها.
٢٩١
وقال بعضهم : فيه شكاية من المشغولين بغيره الباقين في حجاب الوسائط بعرض نفسه بالجمال والجلال على المقصرين ليجذب بحسنه وجماله قلوبهم إلى محبته وعشقه ويحييها بنور أنسه وسنا قدسه، فلا بد للمرء من الاجتهاد والتضرع إلى رب العباد ليصل إلى المطلوب ويعانق المحبوب.
قال في المثنوي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
بيش يوسف نازش وخوبى مكن
جزنياز واه يعقوبى مكن
ازبهاران كى شود سر سبزسنك
خاك شوبا كل بروى رنك رنك
سالها توسنك بودى دالخراش
آزمون رايك زمانى خاك باش
ففي هذا الفناء حياة عظيمة ألا ترى أن الأرض تموت عن نفسها وقت الخريف فيحييها الله تعالى وقت الربيع بما لا مزيد عليه.
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِه أَوْلِيَآءَا فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِىُّ وَهُوَ يُحْىِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُه إِلَى اللَّه ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ * فَاطِرُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الانْعَـامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيه لَيْسَ كَمِثْلِه شَىْءٌ﴾.


الصفحة التالية
Icon