﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ﴾.
حكاية لقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم للمؤمنين لقوله بعده ذلكم الله ربي إلخ ؛ أي : ما خالفكم الكفار فيه من أمور الدين، فاختلفتم أنتم وهم ﴿فَحُكْمُهُ﴾ راجع ﴿إِلَى اللَّهِ﴾، وهو أثابه المحقين وعقاب المبطلين يوم الفصل والجزاء، فعلى هذا لا يجوز أن يحمل على الاختلاف بين المجتهدين ؛ لأن الاجتهاد بحضرته عليه السلام لا يجوز.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى اختلاف العلماء في شيء من الشرعيات والمعارف الإلهية، فالحكم في ذلك إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام، وإجماع الأمة وشواهد القياس، أو إلى أهل الذكر، كما قال تعالى، ﴿فَسْـاَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (الأنبياء : ٧)، ولا يرجعون إلى العقول المشوبة بآفة الوهم والخيال، فإن فيها للنفس والشيطان مدخلاً بإلقاء الشبهات، وأدنى الشبهة في التوحيد كفر، وقد زلت أقدام جميع أهل الأهواء والبدع والفلاسفة عن الصراط المستقيم، والدين القويم بهذه المزلة.
﴿ذَالِكُمُ﴾ الحاكم العظيم الشأن، وهو مبتدأ ﴿اللَّهُ﴾ خبر ﴿رَبِّى﴾ ومالكي لقب.
﴿عَلَيْهِ﴾ خاصة لا على غيره ﴿تَوَكَّلْتُ﴾ في كل أموري التي من جملتها رد كيد أعداء الدين ﴿وَإِلَيْهِ﴾ لا إلى أحد سواه ﴿أُنِيبُ﴾ أرجع في كل ما يعن لي من معضلات الأمور التي منها كفاية شرهم والنصر عليهم، وحيث كان التوكل أمراً واحداً مستمراً والإنابة متعددة متجددة حسب تجدد موادها أوثر في الأول صيغة الماضي.
وفي الثاني : صيغة المضارع.
وفيه إشارة إلى أنه إذا اشتغلت قلوبكم بحديث نفوسكم لا تدرون أبالسعادة جرى حكمكم أم بالشقاوة مضى اسمكم، فكلوا الأمر فيه إلى الله، واشتغلوا في الوقت بأمر الله دون التفكر فيما ليس لعقولكم سبيل إلى معرفته وعلمه من عواقبكم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿فَاطِرُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ خبر آخر لذلكم ؛ أي : خالق الآفاق من العلويات والسفليات، ويدخل فيه بطريق الإشارة : الأرواح والنفوس.
﴿جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ ؛ أي : من جنسكم ﴿أَزْوَاجًا﴾ نساء وحلائل.
وبالفارسية :(جفتال).
﴿وَمِنَ الانْعَـامِ﴾ ؛ أي : وجعل للأنعام من جنسها ﴿أَزْوَاجًا﴾، أو خلق لكم من الأنعام أصنافاً يعني :(خلق كرداز جهار بابان صنفهاى كونا).
كون إكراماً لكم لترتفقوا بها إذ يطلق الزوج على معنى الصنف كما في قوله تعالى :﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَـاثَةً﴾ (الواقعة : ٧) أو ﴿ذُكْرَانًا وَإِنَـاثًا﴾ (الشورى : ٥٠) وفإنه يطلق على مجموع الزوجين، وهو خلاف الفرد.
﴿يَذْرَؤُكُمْ﴾ يكثركم أيها الناس.
والأنعام من الذرء، وهو البث.
قال في "القاموس" : ذرأ كجعل خلق.
والشيء كثره ومنه
٢٩٢
الذرية مثلثة لنسل الثقلين.
﴿فِيهِ﴾ ؛ أي : في هذا التدبير، وهو جعل الناس والأنعام أزواجاً يكون بينهم توالد فاختير فيه على به مع أن التدبير ليس ظرفاً للبث والتكثير، بل هو سبب لهما ؛ لأن هذا التدبير كالمنبع والمعدن لهما، ففيه تغليبان : تغليب المخاطب على الغائب حيث لم يقل يذرؤكم وإياكم ؛ لأن الأنعام ذكرت بلفظ الغيبة، وتغليب العقلاء على غيرهم حيث لم يقل يذرأكم وإياهن، فإن كم مخصوص بالعقلاء.
﴿لَيْسَ كَمِثْلِه شَىْءٌ﴾ : المثل كناية عن الذات كما في قولهم : مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة في نفيه عنه ؛ فإنه إذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى.
وهذا لا يتوقف على أن يتحقق مثل في الخارج، بل يكفي تقدير المثل، ثم سلكت هذه الطريقة في شأن من لا مثل له، والشيء عبارة عن الموجود، وهو اسم لجميع المكونات عرضاً كان أو جوهراً.
وعند سيبويه : الشيء ما يصح أن يعلم ويخبر عنه موجوداً أو معدوماً.
والمعنى : ليس كذاته شيء من شأن من الشؤون التي من جملتها هذا التدبير البديع ؛ لأن ذاته لا يماثل ذات أحد بوجه من الوجوه، ولا من جميع الوجوه ؛ لأن الأشياء كلها إما أجسام أو أعراض تعالى ربنا عن ذلك ولا كاسمه اسم كما قال تعالى :﴿هَلْ تَعْلَمُ لَه سَمِيًّا﴾ (مريم : ٦٥)، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ والمحال كل المحال أن تكون الذات القديمة مثلاً للذات الحادثة، وأن يكون لها صفة حادثة، كما استحال أن تكون للذات المحدثة صفة قديمة :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
ذات تراصورت اوبيوندند
توبكس وكس بتو مانند ند
جل المهيمن أن تدري حقيقته
من لا له المثل لا تضرب له مثلاً
وفي المثنوي :(ذات أوراد وتصور كيخ كو تادر آري در تصور مثل أو) هذا ما عليه المحققون والمشهور عند القوم أن الكاف زائدة في خبر ليس، وشيء اسمها، والتقدير : ليس مثله شيء وإلا كان المعنى : ليس مثل مثله شيء، وهو محال.


الصفحة التالية
Icon