جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿وَمَا تَفَرَّقُوا﴾ ؛ أي : وما تفرق اليهود والنصارى في الدين الذي دعوا إليه، ولم يؤمنوا كما آمن بعضهم في حال من الأحوال، أو في وقت من الأوقات.
﴿إِلا مِنا بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ ؛ أي : إلا حال جيء العلم أو إلا وقت مجيء العلم بحقية ما شاهدوا في رسول الله، والقرآن من دلائل الحقية حسبما وجدوه في كتابهم، أو العلم بمبعثه.
﴿بَغْيَا بَيْنَهُمْ﴾ من بغى بمعنى طلب وحقيقة البغي، الاستطالة بغير حق كما في "المفردات" ؛ أي : لابتغاء طلب الدنيا وطلب ملكها وسياستها وجاهها وشهرتها، وللحمية الجاهلية لا ؛ لأن لهم في ذلك شبهة.
﴿وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾، وهي العدة
٢٩٨
بتأخير العقوبة.
﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ ؛ أي : وقت معين معلوم عند الله هو يوم القيامة وآخر أعمارهم المقدرة.
﴿لَّقُضِىَ بَيْنَهُمْ﴾ لأوقع القضاء بينهم باستئصالهم لاستيجاب جنايتهم لذلك قطعاً.
﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَـابَ مِنا بَعْدِهِمْ﴾ ؛ أي : والمشركين الذين أوتوا الكتاب ؛ أي : القرآن من بعدما أوتي أهل الكتاب كتابهم والإيراث في الأصل : ميراث دادن.
﴿لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ﴾ ؛ أي : من القرآن، والشك اعتدال النقيضين عند الإنسان تساويهما.
و﴿مُرِيبٍ﴾ موقع في القلق ؛ أي : الاضطراب، ولذلك لا يؤمنون إلا لمحض البغي والمكابرة بعدما علموا بحقيته كدأب أهل الكتابين.
والريبة : قلق النفس واضطرابها، ويسمى الشك بالريب ؛ لأنه يقلق النفس ويزيل الطمأنينة، والظاهر أن شك مريب من باب جد جده ؛ أي : وصف الشك بمريب بمعنى ذي ريب مبالغة فيه.
وفي "القاموس" : أراب الأمر صار ذا ريب.
﴿فَلِذَالِكَ﴾ ؛ أي : فلأجل ما ذكر من التفرق والشك المريب، أو فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق، بأن يتنافس فيه المتنافسون.
﴿فَادْعُ﴾ الناس كافة إلى إقامة ذلك الدين والعمل بموجبه، فإن كلاً من تفرقهم وكونهم في شك مريب، ومن شرع ذلك الدين لهم على لسان رسول الله صلى الله تعالى عليه والسلام، سبب للدعوة إليه، والأمر بها، وليس المشار إليه ما ذكر من التوصية والأمر بالإقامة، والنهي عن التفرق حتى يتوهم شائبة التكرار.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وفيه إشارة إلى افتراق أهل الأهواء والبدع ثنتين وسبعين فرقة ودعوتهم إلى صراط مستقيم السنة لإبطال مذاهبهم.
وفي الحديث :"من انتهى" ؛ أي : منع بكلام غليظ "صاحب بدعة" سيئة مما هو عليه من سواء الاعتقاد والفحش من القول والعمل.
"ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً ومن أهان صاحب بدعة آمنه الله يوم القيامة من الفزع الأكبر".
وهو حين الانصراف إلى النار كما قال ابن السماك أن الخوف المنصرف للمتفرقين قطع نياط قلوب العارفين.
وقال في "البزازية" : روي أن ابن المبارك رؤى في المنام، فقيل له ما فعل ربك بك، فقال : عاتبني وأوقفني ثلاثين سنة بسبب أني نظرت باللطف يوماً إلى مبتدع، فقال : إنك لم تعاد عدوي في الدين، فكيف حال القاعد بعد الذكر مع القوم الظالمين.
﴿وَاسْتَقِمْ﴾ عليه وعلى الدعوة إليه.
﴿كَمَآ أُمِرْتَ﴾ وأوحي إليك من عند الله تعالى.
والمراد : الثبات والدوام عليهما ؛ لأنه كان مستقيماً في هذا المعنى.
وفي الحديث : شيبتني هود وأخواتها"، فقيل له : لم ذلك يا رسول الله؟ فقال :"لأن فيها فاستقم كما أمرت"، وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر الله.
وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا، ولن تحصوا ؛ أي : لن تطيقوا الاستقامة التي أمرت بها فحقيقة الاستقامة لا يطيقها إلا الأنبياء، وأكابر الأولياء ؛ لأنها الخروج من المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الحق على حقيقة الصدق.
قال الكاشفي :(درتبيان آورده كه وليد مغيره بآن حضرت كفت ازدين ودعوى كه دارى رجوع كن تا من نصفى ازا موال خود بتودهم وشيبه وعده كرده كه اكر بدين بدران باز آرى دختر خود در عقد توارم اين آيت نازل شدكه بردعوت خود مقيم ودر دين وملت خود مستقيم باش).
﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ﴾ المختلفة الباطلة والضمير للمشركين، وكانوا يهوون أن يعظم عليه السلام آلهتهم، وغير ذلك.
وفي الخبر :"لكل شيء آفة وآفة الدين الهوى" :
٢٩٩
هو اوهوس رانماند ستيز
جو بيند سر بجة عقل تيز
﴿وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَـابٍ﴾ ؛ أي كتاب كان من الكتب المنزلة لا كالذين آمنوا ببعض منها، وكفروا ببعض، وذلك فإن كلمة ما من ألفاظ العموم.
وفيه إشارة إلى وجوب الإيمان بجميع الحقائق، وإن اختلف مظاهرها، فإن كلها إلهام صحيح من الله تعالى.
﴿وَأُمِرْتُ﴾ بذلك ﴿لاعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ بين شريفكم ووضيعكم في تبليغ الشرائع والأحكام، وفصل القضايا عند المحاكمة والمخاصمة إلي، فاللام على حقيقتها، والمأمور به محذوف أو زائدة، والباء محذوفة ؛ أي : أمرت بأن أعدل وأسوي بين شريفكم ووضيعكم، فلا أخص البعض بأمر أو نهي.


الصفحة التالية
Icon