جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وقوله : وقل آمنت.
إلخ.
تعليم من الله لاستكمال القوة النظرية.
وقوله : وأمرت، إلخ.
لاستكمال القوة العملية.
روي : أن داود عليه السلام قال :"ثلاث خصال من كن فيه، فهو الفائز القصد في الغنى، والفقر والعدل في الرضا، والغضب والخشية في السر والعلانية، وثلاث من كن فيه أهلكته شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه، وأربع من أعطيهن، فقد أعطي خير الدنيا والآخرة لسان ذا ذكر وقلب شاكر وبدن صابر وزوجة مؤمنة".
وفي "التأويلات النجمية" : لأعدل بينكم ؛ أي : لأسوي بين أهل الأهواء، وبين أهل السنة بترك البدعة ولزوم الكتاب والسنة ليندفع الافتراق ويكون الاجتماع.
﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ ؛ أي : خالقنا جميعاً، ومتولي أمورنا لا الأصنام والهوى.
﴿لَنَآ أَعْمَـالُنَا﴾ لا يتخطانا جزاؤها ثواباً كان أو عقاباً.
﴿وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ﴾ لا يجاوزكم آثارها، لا نستفيد بحسناتكم ولا نتضرر بسيئاتكم.
﴿لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ : الحجة في الأصل : البرهان والدليل، ثم يقال : لا حجة بينناوبينكم ؛ أي : لا إيراد حجة بيننا ويراد به لا خصومة بيننا بناء على أن يراد الحجة من الجانبين لازم للخصومة، فيكنى بذكر اللازم عن الملزوم، فالمعنى لا محاجة ولا خصومة ؛ لأن الحق قد ظهر، ولم يبق للمحاجة حاجة ولا للمخالفة محمل سوى المكابرة.
وفيه إشارة إلى أنه لا خصومة بالإهداء والمعصية.
﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾ يوم القيامة.
﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ : مرجع الكل لفصل القضاء، فيظهر هناك حالنا وحالكم، وليس في الآية إلا ما يدل على المتاركة في المقاولة لا مطلقاً، حتى لا تكون منسوخة بآية القتال.
يعني : هذه الآية إنما تدل على المتاركة القولية لحصول الاستغناء عن المحاجة القولية معهم ؛ لأنهم قد عرفوا صدقه من الحجيج، وإنما كفروا عناداً وبعد ما ظهر الحق وصاروا محجوجين كيف يحتاج إلى المحاجة القولية، فلا يبقى بعد هذا السيف أو الإسلام، وقد قوتلوا بعد ذلك، فعلى العبد، قبول الحق بعد ظهوره والمشي خلف النصح بعد إضاءة نوره، فإن المصير إلى الله، والدنيا دار عبور، وأن الحضور في الآخرة، والدنيا دار التفرق والفتور، فلا بد من التهيؤ للموت.
قال إبراهيم بن أدهم قدس سره لرجل في الطواف : اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
أولاها : تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة.
والثانية : تغلق باب العز وتفتح باب الذل.
والثالثة : تغلق باب الراحة، وتفتح باب الجهد.
والرابعة تغلق باب النوم وتفتح باب السهر.
والخامسة : تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر.
والسادسة : تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت.
وأنشدوا :()
٣٠٠
إنعباداً فطنا
طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا
وفي المثنوي :
ملك برهم زن تو آدم وارزود
تابيانى همجو او ملك خلود
اين جهان خود حبس جنهاى شماست
هين رويدان سوكه صحراى شماست
﴿فَلِذَالِكَ فَادْعُا وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَـابٍا وَأُمِرْتُ لاعْدِلَ بَيْنَكُمُا اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُا اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ * وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى اللَّهِ مِنا بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَه حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ * اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَـابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّا أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِى السَّاعَةِ لَفِى ضَلَـالا بَعِيدٍ﴾.
﴿وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى اللَّهِ﴾ ؛ أي : يخاصمون في دينه نبيه، وهو مبتدأ ﴿مِنا بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَهُ﴾ ؛ أي : من بعدما استجاب له الناس ودخلوا فيه لظهور حجته ووضوح محجته، والتعبير عن ذلك بالاستجابة باعتبار دعوتهم إليه.
وفي إشارة إلى أنهم استجابوا له تعالى يوم الميثاق بقولهم : بلى، حين قال لهم : ألست بربكم؟ ثم لما نزلوا من عالم الأرواح إلى عالم الأجسام نسوا الإقرار والعهد، فأخذوا في المحاجة والإنكار بخلاف المؤمنين، فإنهم ثبتوا على التصديق والإقرار.
قال الحافظ :
ازدم صبح ازل تا آخر شام ابد
دوستى ومهر بريك عهد ويك ميثاق بود
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon