﴿حُجَّتُهُمْ﴾ : مبتدأ ثان ﴿دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ : خبر الثاني، والجملة خبر الأول ؛ أي : إزالة زائلة باطلة.
يعني :(ناجيز ونابر جاى)، بل لا حجة لهم أصلاً، وإنما عبر عن أباطيلهم بالحجة مجاراة معهم على زعمهم الباطل والمجاراة بالفارسية :(رفتنوبا كسى جيزى واراندن).
﴿وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾ عظيم لمكابرتهم الحق بعد ظهوره.
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ على كفرهم الشديد وضلالهم البعيد لا يعرف كنهه، وهو عذاب النار.
يقول الفقير : وجه الغضب والعذاب أن الدين الحق، وما جاء من القرآن سبب الرحمة والنعمة، فإذا أعرضوا عنهما وجدوا عند الله الغضب والنقمة بدلهما نعوذ بالله من ذلك، وهذا من نتائج أحوالهم وثمرات أعمالهم :
ابرا كرآب زندكى بارد
هركز ازشاخ بيد بر نخورى
بافر وماية روز كار مبر
كزنى بور يا شكر نخورى
﴿اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَـابَ﴾ ؛ أي : جنس الكتاب حال كونه ملتبساً.
﴿بِالْحَقِّ﴾ في أحكامه وإخباره بعيداً من الباطل، أو بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام.
﴿وَالْمِيزَانَ﴾ ؛ أي : وأنزل الميزان ؛ أي : الشرع الذي يوزن به الحقوق ويسوي بين الناس على أن يكون لفظ الميزان مستعاراً للشرع تشبيهاً له بالميزان العرفي من حيث يوزن به الحقوق الواجبة الأداء سواء كان من حقوق الله، أو من حقوق العباد، أو أنزل نفس العدل والتسوية، بأن أنزل الأمر به في الكتب الإلهية، فيكون تسمية العدل بالميزان تسمية المسمى باسم آلته، فإن الميزان آلة العدل، أو أنزل آلة الوزن.
والوزن : معرفة قدر الشيء.
يعني :(منزل كردانيد ترازورا كه موزونات رابان سنجد تادر بارئه خزنده وفروشنده ستم نرود).
فيكون المراد بالميزان معناه الأصلي وإنزاله إما حقيقة لما روي أن جبرائيل عليه السلام نزل بالميزان فدفعه إلى نوح عليه السلام، فقال له : مر قومك يزنوا به.
وقيل : نزل آدم عليه السلام بجميع آلات الصنائع، وإما مجازاً عن إنزال الأمر به
٣٠١
واستعماله في الإيفاء والاستيفاء.
(ودر عين المعاني أورده كه مراد از ميزان حضرت بهتر كائنات محمد است صلى الله تعالى عليه وسلم قانون عدل بدل وتمهيد مى بايد ونزال وإرسال اوست).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى كتاب الإيمان الذي كتب الله في القلوب وميزان العقل يوزن به أحكام الشرع.
والخير والشر والحسن والقبح، فإنهما قرينان متلازمان لا بد لأحدهما من الآخر وسماها البصيرة، فقال : قد جاءكم بصائر من ربكم، فمن أبصر، فلنفسه، ومن عمي فعليها، ففي انتفاء أحدهما انتفاء الآخر، كما قال تعالى :﴿صُمُّا بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ (البقرة : ١٧١)، فنفي العقل والبصيرة بانتفاء الإيمان.
﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ : الإدراء بمعنى الإعلام ؛ أي : أي شيء يجعلك دارياً ؛ أي : عالماً بحال الساعة التي هي من العظم والشدة والخفاء بحيث لا يبلغه دراية أحد، وإنما يدرى ذلك بوحي منا.
وبالفارسية :(وجه جيز دانا كرد براوجه دانى).
قال الراغب : كل موضع ذكر في القرآن، وما أدراك فقد عقب ببيانه نحو : وما أدرك ماهيه نار حاميه وكل موضع ذكر فيه، وما يدريك لم يعقبه بذلك نحو : وما يدريك لعل الساعة قريب.
﴿لَعَلَّ السَّاعَةَ﴾ التي يخبر بمجيئها الكتاب الناطق بالحق.
﴿قَرِيبٌ﴾ ؛ أي : شيء قريب، أو قريب مجيئها وإلا فالفعيل بمعنى الفاعل لا يستوي فيه المذكر والمؤنث عند سيبويه، فكان الظاهر أن يقال : قريبة لكونه مسند إلى ضمير الساعة إلا أنه قد ذكر لكونه صفة جارية على غير من هي له.
وقيل : القريب بمعنى ذات قرب على معنى النسب، وإن كان على صورة اسم الفاعل كلابن وتامر بمعنى ذو لبن وذو تمر ؛ أي : لبنى وتمرى لا على معنى الحدث كالفعل، فلما لم يكن في معنى الفعل حقيقة لم يلحقه تاء التأنيث، أو الساعة بمعنى البعث تسمية باسم ما حل فيه.
وقال الزمخشري : لعل مجيء الساعة قريب بتقدير المضاف.
والمعنى : أن القيامة على جناح الإتيان، فاتبع الكتاب يا محمد واعمل به، وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي يوزن فيه الأعمال، ويوفى جزاؤها :(امام زاهدى فرموده كه لعل براى تحقيق است يعني البتة ساعتى كه بدان قيامت قائم شود نزديكست).
وفيه زجرهم عن طول الأمل وتنبيههم على انتظار الأجل، وهجومه نبهنا الله تعالى إياكم أجمعين آمين.
﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا﴾ :(شتاب ميكنند بساعت يعنى بامداو).
﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ استعجال إنكار واستهزاء، ولا يشفقون منها، ويقولون متى هي ليتها قامت حتى يظهر لنا الحق أهو الذي نحن عليه أم الذي عليه محمد وأصحابه، فإنهم لما لم يؤمنوا بها لم يخافوا مافيها، فهم يطلبون وقوعها استبعاداً لقيامها، والعجلة طلب الشيء وتحريه قبل آوانه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon