﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ بها ﴿مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ خائفون منها مع اعتنائها لتوقع الثواب، فإن المؤمنين يكونون أبداً بين الخوف والرجاء، فلا يستعجلون بها.
يعني :(ترساننداز قيامت جه ميدا نندكه خداى تعالى با يشان جه كند ومحاسبه ومجازات برجه وجه بود).
فالآية من الاحتباك ذكر الاستعجال أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً والانشقاق ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً.
﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ ؛ أي : الكائن لا محالة.
وفيه إشارة إلى أن المؤمنين لا يتمنون الموت خوف الابتلاء بما بعده، فيستعدون له وإذا ورد لم يكرهوه وذلك أن الموت لا يتمناه إلا جاهل أو مشتاق.
﴿أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِى السَّاعَةِ﴾ يجادلون فيها وينكرون مجيئها عناداً
٣٠٢
من المرية، فمعناه في الأصل تداخلهم المرية والشك، فيؤدي ذلك إلى المجادلة، ففسر المماراة بلازمها.
قال الراغب : المرية التردد في الأمر، وهو أخص من الشك والمماراة المحاجة فيما فيه مرية.
انتهى.
ويجوز أن يكون من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة الحلب، فيكون تفسيره بيجادلون حملاً له على الاستعارة التبعية بأن شبه المجادلة بمماراة الحالب للضرع لاستخراج ما فيه من اللبن من حيث أن كلاً من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة.
﴿لَفِى ضَلَـالا بَعِيدٍ﴾ عن الحق، فإن البعث أشبه الغائبات بالمحسوسات ؛ لأنه كإحياء الأرض بعد موتها، فمن لم يهتد إلى تجويزه، فهو من الاهتداء إلى ما وراءه أبعد وأبعد.
وصف الضلال بالبعد من المجاز العقلي ؛ لأن العبد في الحقيقة للضال ؛ لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق، فوصف به فعله، ويحتمل أن يكون المعنى في ضلال ذي بعد أو فيه بعد ؛ لأن الضال قد يضل عن الطريق مكاناً قريباً وبعيداً.
وفي "التأويلات النجمية" : لفي ضلال بعيد ؛ لأنه أزلي.
وفي الآية أمور :
الأول : ذم الاستعجال، ولذا قيل : العجلة من الشيطان إلا في ستة مواضع أداء الصلاة إذا دخل الوقت ودفن الميت إذا حضر وتزويج البكر إذا أردكت، وقضاء الدين إذا وجب وإطعام الضيف إذا نزل وتعجيل التوبة إذا أذنب.
والثاني : الإيمان والتصديق ؛ فإنه الأصل، وذلك بجميع ما يكون به المرء مؤمناً خصوصاً الساعة، وكذا الاستعداد لها بالأعمال الصالحات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
روي : أن رجلاً من الأعراب قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم : متى الساعة؟ فقال عليه السلام :"وما أعددت لها"، قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال :"أنت مع من أحببت"، ولا شك أن من أحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أحب الاقتداء به في جميع الأحوال، فإذا كان محباً لرسول الله والاقتداء به.
كان رسول الله محباً له، كما قال عليه السلام متى ألقى أحبائي فقال أصحابه : بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله أولسنا أحباءك فقال :"أنتم أصحابي أحبائي قوم لم يروني وآمنوا بي أنا إليهم بالأشواق وخصهم بالأخوة في الحديث الآخر، فقال أصحابه : نحن إخوانك يا رسول الله.
قال : لا أنتم أصحابي وإخواني الذين يأتون بعدي آمنوا بي ولم يروني.
وقال : للعامل منهم أجر خمسين منكم، قالوا : بل منهم يا رسول الله.
قال : بل منكم رردها ثلاثاً، ثم قال : لأنكم تجدون على الخير أعوانا الثالث مدح العلم، لكن إذا قرن بالخوف والخشية والعمل كان أمدح، فإن العلم ليس جالباً للسؤدد إلا من حيث طرده الجعل، فلا تعجب بعلمك، فإن فرعون علم بنبوة موسى وإبليس علم حال آدم، واليهود علموا بنبوة محمد وحرموا التوفيق للإيمان.
والرابع : ذم الشك والتردد، فلا بد من اليقين الصريح، بل من العيان بالصحيح كما قال عليّ كرم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً.
حال خلد وجحيم دانستم
بيقين آنجنانكه مي بايد
كر حجاب ازميانه بر كيرند
آن يقين ذرة نيفزايد
والخامس : أن السعادة والشقاوة أزليتان، وإنما يشقى السعيد لكون سعادته عارضة، وإنما يسعد الشقي لكون شقاوته عارضة، فكل يرجع إلى أصله فنسأل الله الهدي ونعوذ به من الهوى.
﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّا أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِى السَّاعَةِ لَفِى ضَلَـالا بَعِيدٍ * اللَّهُ لَطِيفُا بِعِبَادِه يَرْزُقُ مَن يَشَآءُا وَهُوَ الْقَوِىُّ الْعَزِيزُ * مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاخِرَةِ نَزِدْ لَه فِى حَرْثِه وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِه مِنْهَا وَمَا لَه فِى الاخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَـاؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنا بِهِ اللَّه وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّـالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon