﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَـاؤُا﴾ : أم منقطعة مقدرة ببل، والهمزة قيل : للاضطراب عن قوله : شرع لكم من الدين والهمزة للتقرير والتحقيق وشركاؤهم شياطينهم من الإنس والجن، والضمير للمشركين من قريش، والإضافة على حقيقتها.
والمعنى : بل لهم شركاء من الشياطين ؛ أي : نظراء يشاركونهم في الكفر والعصيان ويعاونونهم عليه بالتزيين والإغراء.
﴿شَرَعُوا لَهُم﴾ بالتسويل.
وبالفارسية :(نهاده اندبر اى ايشان يعنى بيار استه اند دردل ايشان).
﴿مِّنَ الدِّينِ﴾ الفاسد.
﴿مَا لَمْ يَأْذَنا بِهِ اللَّهُ﴾ كالشرك وإنكار البعث، والعمل للدنيا وسائر مخالفات الشريعة، وموافقات الطبيعة ؛ لأنهم لا يعلمون غيرها، وتعالى الله عن الإذن في مثل هذا، والأمر به والدين للمشاكلة ؛ لأنه ذكر في مقابلة دين الله، أو للتهكم.
وقيل : شركاؤهم أوثانهم، فالهمزة للإنكار، فإن الجماد الذي لا يعقل شيئاً كيف يصح أن يشرع ديناً، والحال أن الله تعالى لم يشرع لهم ذلك الدين الباطل، وإضافتها إليهم ؛ لأنهم الذين جعلوها شركاء، وإسناد الشرع إليها مع كونها بمعزل عن الفاعلية إسناد مجازي من قبيل إسناد الفعل إلى السبب لأنها سبب ضلالتهم وافتنانهم كقوله تعالى :﴿إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ﴾ ().
﴿وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ﴾ ؛ أي : القضاء السابق بتأخير العذاب، أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة، والفصل القضاء بين الحق والباطل، كما في "القاموس"، ويوم الفصل اليوم الذي فيه يبين الحق من الباطل، ويفصل بين الناس بالحكم كما في "المفردات".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿لَّقُضِىَ بَيْنَهُمْ﴾ :(حكم كرده شده بودى ميان كافران ومؤمنان ياميان مشركان وشركاء وهريك جزا بسزا يافته بودندى اما وعده فصل ميان ايشان درقيا متست).
﴿وَإِنَّ الظَّـالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة ؛ أي : نوع من العذاب متفاقم ألمه.
وبالفارسية :(عذابى درونان دائم وبى انقطاع بود).
وأقام المظهر مقام المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم ودلالة على أن العذاب الأليم الذي لا يكتنه كنهه، إنما يلحقهم بسبب ظلمهم، وانهماكهم فيه.
وفي الآية إشارات منها :
أن كفار النفوس شرعوا عند استيلائهم على الدين بالهوى للأرواح والقلوب ما لم يرض به الله من مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة كأهل الحرب شرعوا لأسارى المسلمين عند استيلائهم عليهم ما ليس في دينهم من أكل لحم الخنزير وشرب الخمر وعقد الزنار ونحوها، فلا بد من التوجه إلى الله ليندفع الشر وينعكس الأمر.
روي : أن سالم بن عوف رضي الله عنه أسره العدو، فشكاه أبوه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال عليه السلام : اتق الله وأكثر قول لا حول ولا قوة إلا بالله، ففعل فجاء ابنه ومعه مائة من الإبل.
قال الحافظ :
سروش عالم غيبم بشارتى خوش داد
كه كس هميشه بكيتى دزم نخواهد ماند
٣٠٨
ومنها : أن الله تعالى لم يقض بين الخلق بالتكاليف والمجاهدات قبل البلوغ لضعف البشرية وثقل حمل الشريعة وأخر بحكمته تكاليف الشرع تربية للقالب ليحصل القوة لقمع الطبع.
قال الصائب :
تاجه آيدروشن است ازدست اين يك قطعه خاك
جرخ نتوانست كردن زه كمان عشق را
ومنها : أن من ظلم نفسه بمتابعة الهوى، فله عذاب أليم بعد البلوغ من الفطام عن المألوفات الطبيعية بالأحكام الشرعية، وهذا العذاب للنفس والطبيعة رحمة عظيمة للقلب والروح.
ولذا من قال : هذه الطاعات جعلها الله عذاباً علينا من غير تأويل كفر ؛ فإن أول مراده بالتعب لا يكفر، ولو قال : لو لم يفرض الله لكان خيراً لنا بلا تأويل كفر ؛ لأن الخير فيما اختاره الله إلا أن يؤول ويريد بالخير الأهون والأسهل.
وفي القصيدة البردية :()
وراعها وهي في الأعمال سائمة
وإن هي استحلت المرعي فلا تسم
أي : راع النفس في اشتغالها بالأعمال عما هو مفسد ومنقص للكمال من الرياء والعجب والغفلة والضلال، وإن عدت النفس بعض التطوعات حلواً واعتادت به، وألفت، فاجتهد في أن تقطع نفسك عنها، واشتغل بما هو أشق عليها ؛ لأن اعتبار العبادة، إنما هو بامتيازها عن العادة، وإنما ترتفع الكلفة مطلقاً عن العارفين :()
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
كم حسنت لذة للمرء قاتلة
من حيث لم يدر أن السم في الدسم
يعني : كثيراً من المرات زينت النفس لذة للمرء من اللذات قاتلة للمرء كالدسم والمرء لا يدري أن السم في الدسم، لا سيما إذا كان المرء من أهل المحبة والوداد، فهلاكه في لذة الطعم، وطيب الرقاد، ومن الله التوفيق لإصلاح النفس وتزكيتها.


الصفحة التالية
Icon