﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَـاؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنا بِهِ اللَّه وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّـالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * تَرَى الظَّـالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعُا بِهِمْ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فِى رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِا لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَالِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَالِكَ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِا قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ﴾.
﴿تَرَى الظَّـالِمِينَ﴾ ؛ أي : المشركين يوم القيامة يأمن بصلح للرؤية.
﴿مُشْفِقِينَ﴾ خائفين﴿مِمَّا كَسَبُوا﴾ ؛ أي : إشفاقاً ناشئاً من السيئات التي عملوها في الدنيا، ومن أجلها، فكلمة من للتعليل وليست صلة مشفقين حتى يحتاج إلى تقدير المضاف هنا مع أنه أيضاً معنى صحيح ؛ لأن الأول أبلغ وأدخل في الوعيد.
﴿وَهُوَ وَاقِعُا بِهِمْ﴾ ؛ أي : وباله وجزاؤه لاحق بهم لا محالة أشفقوا، أو لم يشفقوا.
والجملة حال من ضمير مشفقين، أو اعتراض.
قال سعدي المفتي، يعني : ينعكس الحال في الآخرة فالآمنون في الدنيا يشفقون في الآخرة، والمشفقون في الدنيا يأمنون في الآخرة.
وفي المثنوي :
لا تخافوا هست نزل خائفان
هست درخوراز براى خائف آن
هركه ترسد مرورا ايمن كنند
هردل ترسنده راسا كن كنند
آنكه خوفش نيست جون كويى مبرس
درس جه دهى نيست او محتاج درس
وفيه إشارة إلى أن عذاب أهل الهوى والشهوات واقع بهم، إما في الدنيا بكثرة الرياضات، وأنواع المجاهدات لتزكية النفس من أوصافها وتحليتها بأضدادها.
وإما في الآخرة بورودها النار لتنقيتها، وعذاب الدنيا أهون فلا بد من الاجتهاد قبل فوات الوقت.
﴿تَرَى الظَّـالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا﴾ ؛ أي : استعملوا تكاليف الشرع لقمع الطبع وكسر الهوى وتزكية النفس وتصفية القلب وتحلية الروح.
﴿فِى رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾ : مستقرون في أطيب بقاعها
٣٠٩
وأنزهها، فإن روضة الأرض تكون كذلك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وبالفارسية :(اندر مر غزار هاى بهشت اند يعنى خوشترين بقعها ونزهت فزاى ترين آن).
قال في "حواشي الكشاف" : الروضة : اسم لكل موضع فيه ماء وعشب.
وفي "كشف الأسرار" : هي الأماكن المتسعة المونقة ذات الرياحين والزهر.
انتهى.
وفي الحديث :"ثلاث يجلون البصر : النظر إلى الخضرة، وإلى الماء الجاري وإلى الوجه الحسن".
قال ابن عباس رضي الله عنهما : والإثمد عند النوم.
وقال الراغب : قوله في روضات الجنات إشارة إلى ما أعد لهم في العقبى من حيث الظاهر.
وقيل : إشارة إلى ما أهلهم له من العلوم والأخلاق التي من تخصص بها طاب قلبه.
﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ ؛ أي : ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم على أن عند ربهم ظرف للاستقرار العامل في لهم.
وقيل : ظرف ليشاؤون على أن يكون عبارة عن كونهم عند الله والآية من الاحتباك أنبت الإشفاق أولاً دليلاً على حذف الأمن ثانياً، والجنات ثانياً دليلاً على حذف النيران أولاً.
﴿ذَالِكَ﴾ المذكور من أجر المؤمنين.
﴿هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ الذي يصغر دونه ما لغيرهم من الدنيا، أو تحقر عنده الدنيا بحذافيرها من أولها إلى آخرها.
وهذا في حق الأمة.
وأما النبي عليه السلام، فمخصوص بالفضل العظيم، كما قال تعالى، ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ ().
﴿ذَالِكَ﴾ ؛ أي : الفضل الكبير، وهو مبتدأ خبره قوله :﴿الَّذِى﴾ ؛ أي : الثواب الذي ﴿يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ ؛ أي : يبشرهم به على لسان النبي عليه السلام، فحذف الجار، ثم العائد إلى الموصول ؛ لأنهم لا يجوزون حذف المفعول الجار والمجرور إلا على التدريج بخلاف مثل السمن منوان بدرهم ؛ أي : منه.
قال الكاشفي :(وتقديم خبرباين كرامتها جهت ازدياد سرور مؤمنانست وآنكه دانندكه عمل ايشان ضائع نيست بس در مراسم عبوديت اجتهاد نمايند وبر وظائف عبادت بيفزايند) :
كار نيكوكن اكر مردنكو ميطلبى
كز جراهر كه نكوتر بنكو كار دهند
كارا كرنيست ترادر طمع اجر مباش
مزد مزدور باندازه كردار دهند
يقول الفقير : وجه تخصيص الروضة وتعميم المشيئة أن أكثر بلاد العرب خالية عن الأنهار الجارية والروضات، وأنهم لا يجدون كل المشتهيات فيشوقهم بذلك، ليكونوا على أهبة وتدارك ولا يقيسوا الآخرة على الدنيا، فإن الدنيا محل البلاء والآفات، والآخرة دار النعيم والضيافات وتدارك كل ما فات، فمن أحب مولاه اجتهد في طريق رضاه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon