قال شقيق البلخي قدس سره : رأيت في طريق مكة مقعداً يزحف على الأرض، فقلت له : من أين أقبلت؟ قال : من سمرقند، قلت : كم لك في الطريق، فذكر أعواماً تزيد على العشرة، فرفعت طرفي أنظر إليه متعجباً، فقال لي : يا شقيق ما لك تنظر إلي، فقلت : متعجباً من ضعف مهجتك وبعد سفرتك، فقال لي : يا شقيق، أما بعد سفرتي، فالشوق يقربها، وأما ضعف مهجتي، فمولاها يحملها يا شقيق أتعجب من عبد ضعيف، يحمله المولى اللطيف، فمن وصل إليه بشارة الله بفضله وجوده هان عليه بذل وجوده.
﴿قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾.
روي : أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم : أترون محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً؟ يعني : هيج دريافته آيدكه محمد علمى كه مباشر أنست از ابلاغ مزدى ميخوا هديانى، فنزلت.
والمعنى : لا أطلب منكم على ما أنا عليه من التبليغ،
٣١٠
والبشارة، كما لم يطلب الأنبياء من قبلي.
﴿أَجْرًا﴾ ؛ أي : نفعاً.
قال سعدي المفتي : فسر الأجر بالنفع ليظهر جعل استثناء المودة منه متصلاً مع ادعاء كونها من أفراد الأجر يكفي في ذلك، كما في قوله :()
وبلدة ليس بها أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
وفي "التأويلات النجمية" : قل يا محمد لا أسألكم على التبشير أجراً ؛ لأن الله ليس يطلب منكم على الفضل عوضاً، فأنا أيضاً لا أسألكم على التبشير أجراً، فإن المؤمن أخذ من الله خلقاً حسناً، فكما أن الله تعالى بفضله يوفق العبد للإيمان ويعطي الثواب لمن آمن به، وليس يرضى بأن يعطيك فضله مجاناً، بل يعطيك عليه أجراً كذلك ليس يرضي لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، بأن يطلب منك أجراً على التبليغ والتبشير، بل يشفع لك أيضاً.
﴿إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى﴾ المودة، مودة الرسول عليه السلام، والقربى مصدر كالزلفى، بمعنى القرابة التي هي بمعنى الرحم.
وفي للسببية وبمعنى اللام متعلقة بالمودة، ومودته كناية عن ترك أذيته والجري على موجب قرابته سمى عليه السلام المودة أجراً، واستثناها منه تشبيهاً لها به، والاستثناء من قبيل قول من قال :()
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
وذلك لأنه لا يجوز من النبي عليه السلام أن يطلب الأجر أياً كان على تبليغ الرسالة ؛ لأن الأنبياء لم يطلبوه، وهو أولى بذلك ؛ لأنه أفضل ؛ ولأنه صرح بنفيه في قوله :﴿قُلْ مَآ أَسْـاَلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ (ص : ٨٦) ؛ ولأن التبليغ واجب عليه لقوله تعالى :﴿بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ (المائدة : ٦٧) وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق ؛ ولأن متاع الدنيا أخس الأشياء، فكيف يطلب في مقابلة تبليغ الوحي الإلهي الذي هو أعز الأشياء ؛ لأن العلم جوهر ثمين، والدنيا خزف مهين ؛ ولأن طلب الأجر يوهم التهمة، وذلك ينافي القطع بصحة النبوة، فمعنى الآية : لا أسألكم على التبليغ أجراً أصلاً إلا أن تودوني لأجل قرابتي منكم، وبسببها وتكفوا عني الأذى، ولا تعادوني إن كان ذلك أجراً يختص بي لكنه ليس بأجر ؛ لأنه لم يكن بطن من بطونكم يا قريش إلا وبيني وبينها قرابة، فإذا كانت قرابتي قرابتكم فصلتي، ودفع الأذى عني لازم لكم في الشرع والعادة والمروءة سواء كان مني التبليغ أو لا.
وقد كنتم تتفاخرون بصلة الرحم، ودفع الأذى عن الأقارب، فما لكم تؤذونني.
والحال ما ذكر، ويجوز أن يراد بالقربى أهل قرابته عليه السلام على إضمار المضاف وبالمودة مودة أقربائه، وترك أذيته، فكلمة على هذا للظرفية، والظرف حال من المودة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
والمعنى : إلا أن تودوا أهل قرابتي مودة ثابتة متمكنة فيهم.
روي : أنها لما نزلت.
قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم.
قال علي وفاطمة وابناي ؛ أي : الحسن والحسين رضي الله عنهم، ويدل عليه ما روي عن علي رضي الله عنه، أنه قال : شكوت إلى رسول الله عليه السلام حسد الناس لي، فقال : أما ترضى أن تكون رابع أربعة ؛ أي : في الخلافة أول من يدخل الجنة أنا، وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا".
قال سعدي المفتي : فيه أن السورة مكية من غير استثناء منها، ولم يكن لفاطمة حينئذٍ أولاد.
وعنه عليه السلام :"حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه، فأنا أجازيه عليها غداً، إذا لقيني يوم القيامة".
وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه
٣١١


الصفحة التالية
Icon