﴿ذَالِكَ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِا قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَه فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَا وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَـاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَـاتِه إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّـاَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ : أم منقطعة ؛ أي : بل أيقولون : يعني كفار مكة على أنه إضراب على قوله : أم لهم شركاء إلخ.
﴿افْتَرَى﴾ محمد ﴿عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بدعوى النبوة وتلاوة القرآن على أن الهمزة للإنكار التوبيخي ؛ كأنه قيل : أيتمالكون أن ينسبوا مثله عليه السلام، وهو هو إلى الافتراء لا سيما الافتراء على الله الذي هو أعظم الفرى وأفحشها.
والفرق بين الافتراء والكذب ؛ أن الافتراء هو افتعال الكذب من قول نفسه، والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه.
﴿فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ استشهاد على بطلان ما قالوا : ببيان أنه عليه السلام، لو افترى على الله لمنعه من ذلك قطعاً وتحقيقه، أن دعوى كون القرآن افتراء على الله قول منهم ؛ بأنه تعالى لا يشاء صدوره عن النبي، بل يشاء عدم صدوره عنه، ومن ضرورته منعه عنه قطعاً، فكأنه قيل : لو كان افتراء عليه تعالى لشاء عدم صدوره عنه، وإن يشأ ذلك يختم على قلبك، بحيث لم يخطر ببالك معنى من معانيه، ولم تنطق بحرف من حروفه، وحيث لم يكن الأمر كذلك، بل تواتر الوحي حيناً فحيناً تبين أنه من عند الله.
كما قال في "التأويلات النجمية" : يعني : أنك إن افتريته ختم الله على قلبك، ولكنك لم تكذب على ربك، فلم يختم على قلبك.
يعني :(مهرنهد بردل تو وبيغام خويش ازان ببرد).
وفيه إشارة إلى أن الملائكة والرسل والورثة محفوظون عن المغالطة في بيان الشريعة والافتراء على الله في شيء من الأشياء.
(در حقائق سلمى از سهل بن عبد الله التستري قدس سره نقل مكيندكه مهر شوق ازلي ومحبته لم يزلى بردلى تونهدتا التفات بغير نكنى وازاجابت واباي خلق فارغ كردى).
﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَـاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَـاتِهِ﴾ : استئناف مقرر لنفي الافتراء غير معطوف على يختم كما ينبىء عنه إظهار الاسم الجليل، وصيغة المضارع للاستمرار، وكتبت يمح في المصحف بحاء مرسلة، كما كتبوا ويدع الإنسان، ويدع الداع وسندع الزبانية، مما ذهبوا فيه إلى الحذف، والاختصار نظراً إلى اللفظ وحملاً للوقف على الوصل، يعني : أن سقوط الواو لفظاً للالتقاء الساكنين حال الوصل وخطاً أيضاً حملاً للخط على اللفظ ؛
٣١٣
أي : على أنه خلاف القياس، وليس سقوطها منه، لكونها مجزوماً للعطف على ما قبله لاستحالة المعنى ؛ لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقاً لا معلقاً بالشرط.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
والمعنى : ومن عادته تعالى أن يمحو الباطل ويثبت الحق بوحيه، أو بقضائه، فلو كانه افتراء، كما زعموا لمحقه ودفعه.
ويجوز أن يكونه عدة لرسول الله عليه السلام ؛ بأنه تعالى يمحو الباطل الذي هم عليه عن البهت والتكذيب، ويثبت الحق الذي هو عليه بالقرآن، أو بقضائه الذي لا مرد له بنصرته، فالصيغة على هذا للاستقبال.
﴿إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بما تضمره القلوب، فيجري عليها أحكامها اللائقة بها من المحو والإثبات.
قال الكاشفي :
راستى تو ومظنه افترآى
ايشان بتوبر ومخفى نيست
ولم يقل : ذوات الصدور لإرادة الجنس وذات ها هنا تأنيث ذي بمعنى صاحب، فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه ؛ أي : عليم بالمضمرات صاحبة الصدور، وهي الخواطر القائمة بالقلب من الدواعي والصوارف الموجودة فيه، وجعلت صاحبة للصدور بملازمتها وحلولها فيها، كما يقال : للبن ذو الإناء، ولولد المرأة هو جنين ذو بطنها.
وفي الآية إشارة إلى أن الله تعالى يتصرف في عباده بما يشاء من إبعاد قريب وإدناء بعيد.
روي : أن رجلاً مات فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام مات ولي من أوليائي، فاغسله، فجاء موسى عليه السلام، فوجده قد طرحه الناس في المزابل لفسقه، فقال موسى عليه السلام : يا رب أنت تسمع مقالة الناس، فقال الله : يا موسى إنه تشفع عند موته بثلاثة أشياء لو سأل مني جميع المذنبين لغفرت لهم الأول إنه قال : يا رب أنت تعلم أني وإن كنت أرتكب المعاصي بتسويل الشيطان وقرين السوء، ولكني كنت أكرهها بقلبي.
والثاني : أني وإن كنت من الفسقة بارتكاب المعاصي، ولكن الجلوس مع الصالحين أحب إلي.


الصفحة التالية
Icon