والثالث : لو استقبلني صالح وفاجر كنت أقدم حاجة الصالح، فبهذه الثلاثة أدناه الله منه، وجعله من المقربين عنده بعدما أبعده هو والناس، فعلى العاقل إصلاح الصدر والسريرة.
وفي الخبر :"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، بل إلى قلوبكم وأعمالكم"، يعني : إن كانت لكم قلوب وأعمال صالحة تكونوا مقبولين مطلقاً، وإلا فلا، وربما يهتدي إلى الطريق المستقيم من مضي عمره في الضلال، وذلك لأن شقاوته عارضة والعبرة للحكم الأزلي والسعادة الأصلية، فإذا كان كذلك، فيمحو الله الباطل، وهو الكفر ويثبت الحق، وهو الإسلام، وربما يختم على قلب من مضى وقته على الطاعة، فيصير عاقبة إلى المعصية، بل إلى الكفر كبلعام وبرصيصا ونحوهما، مما كانت شقاوته أصلية وسعادته عارضة.
قال الحافظ :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
والمعنى : ومن عادته تعالى أن يمحو الباطل ويثبت الحق بوحيه، أو بقضائه، فلو كانه افتراء، كما زعموا لمحقه ودفعه.
ويجوز أن يكونه عدة لرسول الله عليه السلام ؛ بأنه تعالى يمحو الباطل الذي هم عليه عن البهت والتكذيب، ويثبت الحق الذي هو عليه بالقرآن، أو بقضائه الذي لا مرد له بنصرته، فالصيغة على هذا للاستقبال.
﴿إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بما تضمره القلوب، فيجري عليها أحكامها اللائقة بها من المحو والإثبات.
قال الكاشفي :
راستى تو ومظنه افترآى
ايشان بتوبر ومخفى نيست
ولم يقل : ذوات الصدور لإرادة الجنس وذات ها هنا تأنيث ذي بمعنى صاحب، فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه ؛ أي : عليم بالمضمرات صاحبة الصدور، وهي الخواطر القائمة بالقلب من الدواعي والصوارف الموجودة فيه، وجعلت صاحبة للصدور بملازمتها وحلولها فيها، كما يقال : للبن ذو الإناء، ولولد المرأة هو جنين ذو بطنها.
وفي الآية إشارة إلى أن الله تعالى يتصرف في عباده بما يشاء من إبعاد قريب وإدناء بعيد.
روي : أن رجلاً مات فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام مات ولي من أوليائي، فاغسله، فجاء موسى عليه السلام، فوجده قد طرحه الناس في المزابل لفسقه، فقال موسى عليه السلام : يا رب أنت تسمع مقالة الناس، فقال الله : يا موسى إنه تشفع عند موته بثلاثة أشياء لو سأل مني جميع المذنبين لغفرت لهم الأول إنه قال : يا رب أنت تعلم أني وإن كنت أرتكب المعاصي بتسويل الشيطان وقرين السوء، ولكني كنت أكرهها بقلبي.
والثاني : أني وإن كنت من الفسقة بارتكاب المعاصي، ولكن الجلوس مع الصالحين أحب إلي.
والثالث : لو استقبلني صالح وفاجر كنت أقدم حاجة الصالح، فبهذه الثلاثة أدناه الله منه، وجعله من المقربين عنده بعدما أبعده هو والناس، فعلى العاقل إصلاح الصدر والسريرة.
وفي الخبر :"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، بل إلى قلوبكم وأعمالكم"، يعني : إن كانت لكم قلوب وأعمال صالحة تكونوا مقبولين مطلقاً، وإلا فلا، وربما يهتدي إلى الطريق المستقيم من مضي عمره في الضلال، وذلك لأن شقاوته عارضة والعبرة للحكم الأزلي والسعادة الأصلية، فإذا كان كذلك، فيمحو الله الباطل، وهو الكفر ويثبت الحق، وهو الإسلام، وربما يختم على قلب من مضى وقته على الطاعة، فيصير عاقبة إلى المعصية، بل إلى الكفر كبلعام وبرصيصا ونحوهما، مما كانت شقاوته أصلية وسعادته عارضة.
قال الحافظ :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
جون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست
آن به كه كار خود بعنايت رها كنند
والله المعين.
﴿وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ بالتجاوز عما تابوا عنه ؛ لأنه إن لم يقبل كان إغراء بالمعاصي عدي القبول بعن لتضمنه معنى التجاوز.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي عامة للمؤمن والكافر والولي والعدو، ومن تاب منهم قبل الله توبته.
والتوبة هي الرجوع عن المعاصي بالندم عليها والعزم أن لا يعاودها أبداً.
وقال السري البوشنجي : هو أن لا تجد حلاوة الذنب في القلب عند ذكره.
وروى جابر رضي الله عنه : أن أعرابياً دخل مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم،
٣١٤
وقال : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبر، فلما فرغ من صلاته.
قال له عليّ رضي الله عنه : يا هذا، إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين وتوبتك هذه تحتاج إلى التوبة، فقال : يا أمير المؤمنين، وما التوبة؟ قال : التوبة اسم يقع على ستة معانٍ : على الماضي من الذنوب بالندامة، وتضييع الفرائض بالإعادة، ورد المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية، وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.
وفي الأثر : تعالى أفرح بتوبة العبد من المضل الواجد، ومن العقيم الوالد، ومن الظمآن الوارد فمن تاب إلى الله توبة نصوحاً أنسى الله حافظيه وبقاع الأرض خطاياه".
روى عبد العزيز بن إسماعيل، قال : يقول الله تعالى : ويح ابن آدم يذنب الذنب، ثم يستغفر، فأغفر له، لا هو يترك ذنوبه، ولا هو ييأس من رحمتي أشهدكم أني قد غفرت له".


الصفحة التالية
Icon